للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: ويُحْكَى عن اختيار المزنيِّ: أنَّه يجب؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ١٧٨] أي اتباع للمال، وذلك يُشْعر بوجوب المال بالعفْو، ولأنه سقط القصاص بالعفو، فيُعْدَل إلى بدله، كما لو مات الجاني.

وأصحُّهما: المنع؛ لأن القَتْل لم يوجب الدية على هَذَا القَوْل، والعفْو إسقاطُ ثابتٍ لا إسقاطُ ما لَيْسَ بثَابتٍ، والآيةُ محمولةٌ على ما إذا عفا على الدية، فإذا قلْنا: لا تثبت الديةُ بنفْس العفْو، فلو اختار الديةَ بعْد العفو، قال القاضي ابن كج: تَثْبُتُ الدية، ويكون اختيارها بعْد العفْو كالعفو علَيْها، وحُكِيَ عن النصِّ أن هذا الاختيار ينبغي أن يكون عقيب العفْو، عن بعض الأصحاب أنَّه يجوز فيه التراخِي، ولو عفا عن الدية، فهو لغْوٌ، وعلى قوْلنا: إن الواجب القَوَدُ المحْضُ، فله بعد ذلك العفْو عن القَوَدِ على الدية، ولو عفا مطلقاً، عاد الخلاف في وجوب الدية.

وقوله في الكتاب: "فلو عفا على مال، ثبت المال" يمكن حمْلُه على الدية وغيرها، ولكن يُشْتَرَطَ في غيرها قَبُولُ الجانِي.

وقَوْلُه: "ولو مات قبل الاقتصاص ثبت المال" محمولٌ على الدية.

وقوله: "فقولان" مُعْلَمٌ بالواو؛ للطريقة القاطعة.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَإِنْ كَانَ مُفْلِساً فَلَهُ العَفْوُ عنِ القِصَاصِ، وَلَهُ العَفْو عَنِ الدِّيَةِ عَلَى أَحَدِ الوَجْهَيْنِ لأَنَّهُ دَفعٌ لِلوُجُوبِ لاَ إِسْقَاطٌ لِلوَاجِبِ، أَوْ سَبَبُ الوُجُوبِ عَفْوٌ مُطْلَقٌ وَلَمْ يَجْرِ، وَالمُبَذِّرَ كالبَالِغِ في اسْتِيفَاءِ القِصَاصِ وَعَفْوِهِ، وَفِي إِسْقَاطِهِ الدِّيَةَ مَعَ القِصَاصِ كَالصَّغِيرِ، وَقِيلَ: إنَّهُ كالمُفْلِسِ، وَلَوْ صَالَحَ عَلَى مِائَتَيْنِ مِنَ الإِبِلِ بَطَلَ عَلَى قَوْلِنَا: الوَاجِبُ أَحَدُهُمَا، وَعَلَى قَوْلِ الآخَرِ وَجْهَانِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: فيه مسألتان:

إحداهما: إذا كان مستحِقُّ القصاص مَحْجوراً عليه، نُظِر؛ إن كان مسلوبَ العبارةِ؛ كالصبي والمجنون، فعَفْوهُ لغْوٌ، وإلا، فإن كان الحجْرُ عليه لحَقِّ غيره، كالمحجور عليه بالفَلَسِ، فله أن يقتص، ولو عفا عن القصاص، سقَطَ وأما الدية فإنْ قلْنا: موجب العمد أحدُ الأمرين، فليس له العَفْو عن المال، وإذا تعيَّن المال بالعَفْو عن القصاص صُرِفَ إلى غرمائه، ولا نكلِّفه تعجيل القِصَاص، أو العَفْو؛ يصرف المال إلَيْهِم، وإن قلْنا: موجب العمْد القَوَدُ، فإن عفا على المال، ثبَتَ المال، وإن عفا مطلقاً، فكذلك تثْبُتُ الدية، أن قُلْنَا بأن العفْو المطلَقَ يوجب الدية، وإن قلْنا: لا يوجبها، لم يثبت، وإن قال: عفوتُ على أن لا مال لي، فإن لم يوجب مطلق العفْو

<<  <  ج: ص:  >  >>