المال، فالمقيد بالنفي أولَى، وإن قلْنا: مطلَقُهُ يوجب المال، فَفِي المقيَّد بالنفْي من المحجور وجهان:
أحدهما: يجب؛ لأنه لو أطلَقَ العفْو، لوجب المال، فالنَّفْي كالإسقاط لِمَا لَه حُكْمُ الوجوب.
وأصحُّهما: المنع؛ لأن العفْو مع نفي المال لا يقتضي مالاً، فلو كلَّفْنا المفْلِس أن يطلق ليثبت المال، كان ذلك تكليفاً بتكسب، وليس على المُفْلِس التكسُّب لمَا علَيْه من الديون، قال الإِمام: ويعبر عن الوجهَيْن بأنَّ العفْو مع نفْي المال إسقاطٌ للواجب أو منْعٌ ودفْعٌ للوجوب، وإلى هذا أشار في الكتاب بقوله:"أَوْ سَبَب الوجوبِ عفْوٌ مطلَقٌ، ولم يجر" أي سبب وجوب الدية العفْو المطلَقُ عن القصاص، ولم يوجَدْ، وإنما الموجود العفْو المقيَّد بالنفْي، وهو مبنيٌّ على أن الواجبَ القَوَدُ على ما بيَّنَّاه، واقتصر على ذكر وجهين مُخَرَّجان من التفْريع على أن الواجِب بالعَمْد ماذا؟ وعلَى أن العفْو المطلَقَ، هل يوجب الدية، وليس المرادُ من قوله:"وله العفْو عن الدية على أحد الوجهين" ما إذا خصص الدية بالعفْو بعد ثبوتها، فإن عفوه لا ينفذ حينئذ بلا خلاف، وإنما المراد ما إذا نفى المال مع العفْو عن القصاص، كما قال في المُبَذِّر وفي إسْقَاط الدية مع العَفْو عن القصاص، وعفو المريضِ مرَضَ الموْتِ، وعفوِ الورثةِ عن القصاص مع نَفْيِ المال، وفي التركة ديونٌ أو للقتيل وصايا -كعَفْو المُفْلِس، كذلك حكاه الرُّويانيُّ وغيره.
وأما المحجورُ عليه لسفهه وهو المُبذِّر فيصحُّ منه إسقاطُ القصاص واستيفاؤه، وفيما يرجع إلى الدية حُكْمُه حُكْمُ المفلس على أحد الوجهين، وهذا الذي أجاب به أكثرهم.
والثاني: أنه لا يصحُّ عفوه عن المال بحال؛ كالصبيِّ، ونظْم الكتاب يقتضي ترجيحه، ويُحْكَى عن القفَّال أنَّه قطَع به، وعُلِّل بأنَّا، وإن قلْنا: مطلَقُ العفْو لا يوجبُ المال، وإذا تصدى له مال، لم يجُز له ترْكُه، كما لو وُهِبَ له شيْءٌ أو وُصِّي له بشيْءٍ، فلم يقْبَلْ، فوليُّه يقبل عليه، بخلاف المفْلِس، لا يقبل الغرماء عليه ولا الحاكم، وحكى الإِمام أنَّه لوْ رَدَّ، لم يصح ردُّه، وأنَّ الوليَّ يقبل عليه، ويوقف فيه، وعفْوُ المكاتَب عن الدية تبرُّع لا ينفذ من غير إذن السيد، فإن أَذِنَ، فعلَى الخلاف في صحَّة تبرُّعاته بإذْن السيد.
الثانية: لو جَرَى الصُّلْح عن القصاص عَلَى أكثر من الديةِ من جنْسها، كما لو صالَحَه على مِائَتَيْنِ من الإبِل، يُفَرَّع ذلك على أن الواجِب أخذُ الأمرين أو القَوَدُ بعينه، فإن قلْنا: الواجب أحد الأَمرين، لم يصحَّ الصلْحُ؛ لأنه زيادة على الواجِبِ نازلٌ منزلة الصلْح من ألف على ألفين، وإن قلْنا: الواجبُ القصاصُ، فوجهان:
أحدهما: أن الجواب كذلك؛ لأن الدية هي التي تخلُفُ القصاصَ عنْد سقوطه، فلا يزاد عليها.