وأصحُّهما: الصحة وثبوتُ المصالِحَ عليه، فإنه مالٌ يتعلَّق باختيار المستحِقِّ والتزام الجاني، فلا معنى لتقديره، وصار كَبَدَلِ الخُلْع.
فرْعٌ: إذا سقط القصاص بعفو بعْض المستحِقِّين، فللآخرين الديةُ بالحصة؛ لفوات القصاص بغير اختيارهم والعافي، إن عفا على حصَّته من الدية، تنْبُتُ، وإن نفى المال، لم تثبت، وإن أطلَقَ، فعلى الخلاف في أن الواجبَ بالعمْد ماذا؟ إن قلْنا: أحد الأمرين تثبت حصته، وإن قلنا: القَوَد بعينه، فعلى الخلاف في أن مُطْلَقَ العَفْو، هل يوجب الدية؟
فائدة: قد تكرّر في الباب الكلامُ فيما إذا عفا عن القصاص أو عفا عن الدية أو عفا عنْهما جميعاً مع التفريع على أن الواجِبَ أحدُهُما، وقد يقالُ: نحْنُ في هذا القول نصرِّحُ بأن الواجبَ أحدُهما، لا بعينه وحينئذ فالعفو عن القصاص بعينه أو عن الدية بعينها أو عنهما جميعاً عفو على غير الواجب فكيف نصور ذلك؟ وقد يجاب بأنا مع القول بأن الواجب أحدهما لا بعينه نقول بالعفو عن القصاص إسقاط المطالَبةِ به، وحينئذ ينتظم إسقاطَ المطالبةِ بأحدهما على التعيين، وبهما جميعاً.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: الرضا بالجناية وترك المؤاخذة بها قد يَتَقدَّم على الجناية، ويسمى إذْناً وإباحةً، وقد يتأخَّر عن أوَّلها أو نهايتها، ويسمى عفْواً وإسقاطاً وإبراءً وعده الإذْنَ من جملة أحوال العفْو، حيث قال:"وأحوال العفْو خَمْسةٌ" فيه توسُّع.
وفقْه الفصْل أنَّه لو قال لغيره: اقطَعْ يدي، والقائل مالكٌ لأمره، فقَطَع المأذونُ يده، لم يجِبْ عليه قصاصٌ ولا دية؛ لأن الإذْن في الإتلاف من مستحق البدل يتضمَّن الإهدار، ألا ترى أنَّه لو أَذِنَ في إتلاف ماله، لم يجب الضمان بإتلافه، وإن لم يقِفِ القطْع بل سَرَى، أو قال: اقتلني، فقَتَله، ففي وجُوب الدية قولاَن بناءً على أن الدية تثبت للورثة ابتداءً أو تلقياً عن القتيل، وفي وجوب القصاص طريقان، وقد سبق ذكْر القولَيْن والطريقَيْن في "فصل الإكراه على القَتْل"، وقد ذَكَرَ في الكتاب الخلافَ في القصاص هناك، وفي الدِّيَة هاهنا، واعترض على قول التَّلَقِّي بأن الدية إذا ثبتت له، وهي عُرْضَة الانتقال إلى الورثة، وجب أَلاَّ ينفذ الأسقاط والإباحة، إلا في ثلثها، وأجيب بأنَّه لا يسقط ثانياً في الحال، وإنما يبيح ما يتضمَّن إتلافه مالاً، لولا الإباحة واعتُرِضَ على القول الآخَر؛ بأنها ثبت للورثة ابتداءً، لَمَا قد قُضِي منها ديونُ القتيل،