للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أنَّه ينفذ بتقديره أصيلاً وتقدير العاقلة كفيلاً، ثم إذا برئ الأصيل، برئَ الكَفِيل، ومَنْ قال بالأول، قال: هذا الانتقال يُشْبِه الحوالة لا الضمان، هذا إذا ثبتت الجناية بالبينة أو باعتراف العَوَاقِلِ. فأما إذا اعترف الجانِي وأنكرت العوامل فالدية تجب على الجاني، ويكون العفو تبرُّعاً على القاتل، ففيه الخلاف في الوصية للقاتل، ولو عفا الوارثُ بعد مَوت المجنيِّ عليه عن العاقلة أو مطلقاً، صحَّ، ولو عفا عن الجاني، لم يصحَّ لأنه لا شيْء عليه، فإن ثبتت الدية بإقراره، صَحَّ.

الثالثة: لو كان الجاني ذِمِّيّاً، وعاقلتُه مسلمونَ، أو من أهل الحَرْب، فتكون الدية في ماله، فإن عفا عنها، فهي وصيةٌ للقَاتِل، وفيه الخلاف.

واعلم، أن الصور الثلاث أوردَهَا المزنيُّ، وحكَى فيها عن النصِّ ما استشهد به لاختياره القول الذاهِب إلى إبْطَال الوصية للقاتل، فقال قائلون من الأصحاب: أجابَ الشافعيُّ -رضي الله عنه- فيها على أحَد القولَيْن، وليس مِنْ شَرْط القولَيْن أن يُذْكَرَا في جميع المواضع.

وقال القاضي الطبريُّ وغيره: الاقتصارُ في بعْض المسائل على أحد القولَيْن اختيارٌ منْه لذلك القَوْل، كما ذهب إليه المزنيُّ.

الرابعة: إذا جنى جنايةً توجب القصاصَ، لو اندملت كقَطْع اليد والأصبع، فعفا المجنيُّ عليه على الدية، ثم سرَتْ إلى النفس، لم يجب قصاص النفس، وفيه الوجه المنسوب إلى أبي الطيِّب بن سلمة على ما مَرَّ ولو جنَى بما لا قصاص فيه كالجائفة، وكسر الذراع، فأخذ المجنيُّ عليه الأرْشَ، ثم سرت الجنايةُ إلى النفْس، فقد قال الإِمام: يحتمل أن يقَالَ: لا يجب القصاصُ؛ لأن الجائفةَ، وإن لم يكُنْ فيها قصاصٌ، فهي سبيلُ القصاص، وأخْذ بالعفو الأرض يُشْعِر فيما يوجب القصاص، والمنقول المشهور أنَّه يجبُ القصاصُ؛ لأنَّ الجناية لم تتولَّد عن معفوٍّ عنه، فإن عفا الوليُّ، أخذ الباقي من الديةَ، ولو كان المجنيُّ، قد قال -والصورةُ هذه-: عفَوْتُ عن القصاصِ، فهو لغْو؛ لأن هذه الجناية لا قصاصَ فيها، ولو عفا المجنيُّ عليه عن قطع اليد ونحوه؛ على الدية، ثم عاد الجاني، فحز رقبته (١)، نُظِر؛ إن حزَّ بعد الاندمال، فعليه القصاص


(١) فهم منه أن التصوير فيما إذا وقع الحز بعد جناية توجب القصاص فأما إذا جرح جرحاً لا قصاص فيه كالجائفة وأخذ الأرش ثم حز الرقبة بعده. قال في البسيط: سقط القصاص قطعاً لأن أخذه لم يكن عفواً عن قصاص بل كان لامتناع القصاص أصلاً. قال: وهذا سلمه العراقيون أيضاً لا ينفك عن أدنى احتمال على مساق كلامهم لا سيما إذا كان الموت بسراية الجائفة التي أخذ الأرش عنها. قال صاحب الوافي: وكأنه يشعر إلى أنَّه وإن لم يكن صريح العفو عن القصاص في أخذ أرش الجائفة إلا أنَّه ينزل منزلة العفو من حيث إنه لم يبق الجرح مضموناً بعد إحداث فأشبه العفو عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>