للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحدُثُ منها، فسَرَى قطعُ الأصبع إلى الكفِّ، فإن لم نوجبْ ضمان السراية عند الاقتصار، فهاهنا أولَى، وإن أوجبناه، فيُخرَّج هاهنا على الإبراء عمَّا لم يجبْ، وجرى سبب وجوبه، ثم في الفصْل صُوَرٌ:

إحداها: إذا جَنَى عبدٌ جنايةً توجب المال؛ إما لكونها خطأ أو لسبب آخرَ، وعفا المجنيُّ عليه عن أرْش الجناية، ثم مات بالسراية أو اندمل الجُرْح، ثم عفا في مرض الموت، فإما أن يطلق العفْو أو يضيفه إلى السيد أو العبْد، فإن أطلق العفْو؛ فصحته تَنْبَنِي على أن أرشَ جناية العبد يتعلَّق برقبته فحسب أم بها وبذمَّتِهِ، حتى يطالب بما فضل بعد العتق؟ وفيه قولان مذكوران في "الديات" فإن قلْنا: يتعلَّق بالرقبة فحسب، فيصحُّ العفو؛ لأنه تبرُّع على غير القاتل، وهو السيد، وإن قلْنا: يتعلق بالذمة أيضاً، ففائدة العفْو ترجع إلى العبد، فيبنى على الوصية للقاتل، إن صحَّحناها، صحَّ العفْو من الثلث، إلاَّ، لم يصحَّ، وحكَى الإِمام اختلافاً للأصحاب، إذا قلْنا: إنه يتعلَّق بالذمة في أن المجنيَّ عليه، هل يملك فك الرقبة عن التعلُّق ورد الحق إلى الذِّمة خاصَّةً كما يملك فكَّ المرهون.

قال: وعلى الوجهَيْن يُبْقَى تعلُّق الأرض بالرقبة، إذا أبطلْنا العفو؛ لكون العبد قاتلاً، أما إذا قلْنا: لا يمكن قطعُهُ، فظاهر، وأما إذا قلنا: يمكن، فِلأَنَّ ذلك إذا جرَّد مستحِقُّ الأرض القصْدَ إلى قطْعه، وهاهنا لم يجرِّد القصد إليه، وإن أضاف العفْو إلى السيد، فقال: عفوت عنك، صحَّ إن قلنا: يتعلَّق الأرش برقبة العبد فحسب، وإن قلْنا: يتعلق بذمة العبد أيضاً، لم يصحَّ العفو؛ لأنه عفْو من غير مَنْ عليه الحقُّ، وإن أضافه إلى العبد، فإن قلنا: يتعلق بالرقبة دون ذمة العبْد، لم يصحَّ، وإن قلنا: يتعلَّق بالذمة، ففيه القولان في "الوصية للقاتل"، وإن كانت الجنايةُ موجبةً للقصاص، فالعفو عن العبد صحيحٌ، فإنه عليه بكل حال.

الثانية: إذا جنى الحرُّ خطأً على إنسان فعَفَا المجنيُّ عليه، ثم سرت الجناية إلى النفْس، فقد خرجَتِ المسألةُ عن أصْل، سيأتي إن شاء الله تعالَى في أن الخاطئَ يلاقيه وجوب الدية، والعاقلةُ يتحملون عنه، أو الوجوبُ على العاقلة ابتداءً، فإن قال: عفوتُ عن العاقلة أو أسقطت الديةَ عنْهم، فهذا تبرُّع على غير [القاتل]، فينفذ، إذا وَفَّى الثلُث به ويبرؤون، سواءٌ قدروا متأصِّلين أو غير متأصلين وكذا لو قال: عفوتُ عن الدية، ولم يضف إلى الجاني ولا العاقلة، وإنْ قال للجاني: عفوتُ عنك، فإن قلنا: إنَّ الوجوب لا تلاقيه، فهو لغْوٌ، وإن قلنا: تلاقيه، وتتحمل العاقلة، فوجهان:

أظهرهما: وهو المذكور في "التهذيب": أن الجواب كذلك؛ لأنه لا شيْء عليه عنْد العفْو، فإن الديةَ كما وجبَتْ عليه، انتقلَتْ عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>