للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإِبِلِ (١)، وفَصَّل ذلك، وقد يطرأ ما تُغَلَّظُ به المائة الواجبة، وهي أربعة أسباب:

أحدها: أن يقع الْقَتْلُ في حرم "مكة"، فيتغلَّظ به الديةُ، وإن كان القتْلُ خطأً، وسيأتي -إن شاء الله تعالى- كيفية التغليظ، ولا فَرْقَ بين أن يكون القاتلُ والمقتولُ معاً في الحَرَمِ، وبين أن يكون أحدُهما فيه، كما في جزاء الصَّيْدِ (٢). وفي حرم "المدينة" وجهان:

أظهرهما: أن وُقُوع القَتلِ فيه لا يقتضي التغليظ، وهما مبنيان على الخِلاَفِ في صَيْدها. ومنهم من لا يُطلِقُ الخِلاَفَ، وخَصَّص التردد بما إِذا قلنا: إن قاتلَ الصَّيْد فيها تُسْلَبُ ثيابه، وهل تتغلَّظ الدية بوقوع القَتْلِ في الإحرام فيه قولان:

أحدهما، وبه قال أحمد: نعم؛ لأنه سَبَبٌ يجب به جزاء الصَّيْد، فيتغلَّظُ به كالحَرَم، وحُكِيَ هذا عن ابن القَاصِّ.

وأصحُّهما: لا؛ لأن حرمة الإحْرام عارضةٌ غَيْرُ دائمةٍ، ولم يَرِدْ فيه من التغليظ ما وَرَدَ في القَتْل في الحَرَم، ورُوِيَ أنَّه -عليه السَّلاَمُ- قال: إِنَّ أَعْتَى النَّاسِ عَلَى اللهِ -تَعَالَى- ثلاثة (٣) رَجُلٌ قَتَلَ في الَحَرَمِ، وَرَجُلٌ قَتَلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ، وَرَجُلْ قَتَلَ بذحل الجَاهليَّة.


(١) أخرجه أحمد وأصحاب السنن والبزار والدارقطني والبيهقي، من حديث ابن مسعود مرفوعاً، لكن فيه: بني مخاض، بدل: ابن لبون، وبسط الدارقطني القول في السنن في هذا الحديث، ورواه من طريق أبي عبيدة عن أبيه موقوفاً، وفيه: عشرون بني لبون، وقال: هذا إسناد حسن، وضعف الأول من أوجه عديدة، وقوى رواية أبي عبيدة بما رواه عن إبراهيم النخعي عن ابن مسعود على وفقه، وتعقبه البيهقي بأن الدارقطني وهم فيه، والجواد قد يعثر، قال، وقد رأيته في جامع سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن عبد الله، وعن أبي إسحاق عن علقمة عن عبد الله، وعن عبد الرحمن بن مهدي عن يزيد بن هارون عن سليمان التيمي عن أبي مجلز عن أبي عبيدة عن عبد الله، وعند الجميع: بني مخاض، قلت: وقد رد على نفسه بنفسه، فقال: وقد رأيته في كتاب ابن خزيمة وهو إمام من رواية وكيع عن سفيان، فقال: بني لبون كما قال الدارقطني، قلت: فانتفى أن يكون الدارقطني غيره فلعل الخلاف فيه من فوق. قاله الحافظ في التلخيص.
(٢) قال الشيخ البقيني في التصحيح: يلتحق بذلك ما إذا جرحه وهما في الحرم فخرج المجروح إلى الحل ومات. ذكره في المطلب. ولا يلتحق به ما إذا جرحه وهما في الحل ثم مات المجروح في الحرم قال الشيخ أيضاً: الإلحاق بالصيد أنَّه لو رمى من الحل فأصاب إنساناً في الحل وقطع السهم في مروره هواء الحرم أنَّه يغلظ على الأصح كما صححوا في نظيره في صيد الحرم، ولو قتل إنساناً خطأ بعضه في الحرم أنَّه يغلظ الدية. ثم قال الشيخ بعد ذلك: وعندي أن إلحاق التغليظ في قتل الخطأ بالصيد بعيد، وأن الاعتبار بأن يكون القتل أو الجرح في الحرم سواء كان القاتل أو الجارح في الحرم أو لم يكن في الحرم ولا أثبت التغليظ في ذلك إلى أن قال: وهكذا إلى أن رمى وهو في الحل بسهم إلى شاخص في الحل فمر السهم في هواء الحرم وأصاب في الحل إنساناً، فإن الواجب دية مخففة بالتخميس قطعاً.
(٣) أخرجه أحمد وابن حبان من حديث عبد الله بن عمرو، ورواه الدارقطني والطبراني والحاكم من =

<<  <  ج: ص:  >  >>