للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عفا المجنيُّ عليه عن القصاص، فله نصف الدية، وعن مالك أن له جميعَ الدية، وتكمل الدية (١) في عينَيِ الأحول والأعمش، قال في الصحاح (٢): والعَمَشُ ضعْفُ الرؤيةِ، مع سَيْلاَنِ الدمع في أكثر الأوقات، ويقال: إنَّ خلل الأعمش في الأجْفَان، والأعشَى: هو الذي لا يبصر بالليل، ويبصر بالنهار، والأخفشُ والخَفَش: صغَرُ العَيْن، وضعفُ البَصَر خلقةً، ويقال: الأخفش الذي يُبْصِرُ بالليل، دون النهار، وهذا لأن المنفعة باقيةٌ في أعين هؤلاء، ومقادير المنفعة غير منظور إلَيْها؛ ألا ترى أنه لا ينظر إلى قوة البطش، والمَشْي وضعفهما، وإذا كان في العَيْنِ بياضٌ لا ينقص الضوء، لم يمنع القصاص، ولا كمال الدية، وكان كالثَّالِيلِ في اليد والرِّجْل، ولا فرق بين أن يكون على بياض الحَدَقة، أو سوادها، وكذا لو كان على النَّاظِر (٣) إلا أنه رقيقٌ لا يمنع الإبصار، ولا ينقص الضوء، فإن كان ينقص الضوء نُظِرَ: إن أمكن ضبطُ النقصان بالاعتبار بالصحيحة التي لا بياض فيها سقط (٤) من الدية قسْطُ ما انتقص وإن لم يمكنِ الضبطُ، فالواجب الحكومة (٥)، وفرق بينه وبَيْن عين الأعمشِ؛ بأن البياض نقْصُ الضوء الذي كان في أصلِ الخِلْقَة، وعيْن الأعمش لم ينقص ضوءُها عما كان في الأصل.

قال الغَزَالِيُّ: الثَّالِثُ: الأَجْفَانُ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ رُبْعُ الدِّيَةِ (م) وَفِي بَعْضِ الوَاحِدِ


(١) في ز: دية.
(٢) ينظر الصحاح ٣/ ١٠١٢ (عمش).
(٣) في ز: الباطن.
(٤) في ز: يسقط.
(٥) فَصَّل الماوردي في الحاوي هذه المسألة؛ فقال: لو كان في عينه قبل الجناية عليها بياض، لم يخل حاله من ثلاثة أقسام:
أحدها: ألا يؤثر في البصر، ويرى مع البياض ما كان يراه قبله، ففي بصره إذا ذهب بالجناية الدية تامة، ولا يكون للبياض تأثير في الدية، كما لم يكن له تأثير في البصر. وسواء كان يشق عليه النظر أو لا يشق، لأنه يدرك مع المشقة ما كان يدركه بغير مشقة.
والقسم الثاني: أن يكون البياض قد منعه من النظر حتى صار لا يبصر من قرب ولا بُعْد، فيكون بالجناية عليه كالبصر الذاهب لا تجب فيه إلا حكومة. وان كان بصره باقياً تحت البياض؛ لأنه لا يبصر به، كما لا يبصر بالذاهب من أصله، وليس ما يرجى من زوال البياض بالعلاج، فيعود البصر بمانع من أن يجري عليه في الحال حكم الذاهب البصر. وإنما يفترقان في قدر الحكومة فتكون حكومة ذات البياض أكثر لبقاء البصر تحته.
والقسم الثالث: أن يكون البياض قد أذهب بعض بصره وبقي بعضه، فهذا على ضربين:
أحدهما: أن يكون قد غشي جميع الناظر، وهو رقيق فصار مبصراً أقلّ من بصره قبل البياض، فيتعذر في هذا معرفة منه بالبياض، إلا أن يكون قد عرف مدى بصره قبل البياض، فيعرف ما بقي منه بعده. أو يكون ذلك في إحدى عينيه، وقد اعتبر ذلك بالعين الصحيحة, فيلزمه من الدية بقسطه، وان لم يعرف، ففيه حكومة.
والضرب الثاني: أن يكون البياض قد غشي بعض الناظر، فلا يبصر بما غشاه، ويبصر بما عداه، فيلزم الجاني عليها إذا ذهب بصرها ما كان باقياً منها من نصف، أو ثلث، أو ربع، إذا عرف ذلك، وخير من أهل العلم بالبصر. ينظر الحاوي ١٢/ ٢٥٤ بتحقيقنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>