قَالَ الرَّافِعيُّ: الأَسْنَانُ في غالب الفطْرَة اثنتانِ وثَلاثُون، أربعٌ منها ثنايا، وهي الواقعةُ في مُقَدَّم الفم اثنتان من الأعلَى، واثنتانِ من الأسْفَل، ويليها أربعٌ من الأعلَى، والأسفل يقال لها الرَّبَاعِيَات، ثم أربعٌ ضواحِكُ، وأربعة أنياب، وأربعة نواجز، واثنا عشرة أَضْرَاسٌ، ويقال: لها الطَّوَاحِن، وفي قلع الواحدةِ منها خَمْسٌ من الإِبل؛ على ما سبق، ولو قلع عددًا، وجب ما يقتضيه الحساب ما لم يجاوز عشرين، فإن جاوز عشرين، فقولان:
أحدهما: لا يجب عليه إلا مائةٌ من الإبل؛ لأن الأسنان [من] جنسٍ متعدِّد من الأجزاء والأطراف؛ فلا يضمن بأكثر من دية النفس؛ كالأصابع وسائر الأعضاء.
وأصحُّهما: أنه يجب لكل واحدة خِمسٌ من الإبل؛ حتى إذا كانت اثنتين وثلاثين، فيجب مائة وستُّون من الإبل؛ لما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "فِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنَ الإبِلِ"، وعن أبي حفْصِ بنِ الوكيلِ، وغيره القطْعُ بالقول الثاني، فيجوز أن يُعْلَم لذلك قوله في الكتاب: "لم يجِبْ إلا مائةٌ من الإبل" في قولٍ بالواو، وهذا الخلافُ فيما إذا اتحد الجاني والجنايةُ، فأما إذا تعدَّد الجانِي؛ كما إذا قلع واحدٌ عشرين سنّاً، وقلع آخر ما بَقِيَ، فعلَى كلِّ واحدٍ أرْشُ ما قلعه. وِلو اتحد الجاني، وتعدَّدت الجناية، نُظِرَ؛ إن تخلَّل الاندمال بأن قلع سنّاً، وتركه حتى بَرَأت اللِّثة، وزال الألم، ثم قلع سنّاً أخرى، وهكذا إلى استيعابِ الأسنان، فعليه أرشٌ كاملٌ لكل سنٍّ، وإن لم يتخلَّل الاندمال، ففيه طريقان:
وأظهرهما: أنه على قولَيْن؛ لأن الجنايتين قبل الاندمال بمثابة الجناية الواحدَةِ، وصورةُ الجناية الواحدة أن يسقطها جميعًا بضربة واحدة أو يسقيه دواءً يسقطها، وقوله في الكتاب: "ولو قلع جميع الأسْنانِ، وكانت اثنتَيْنِ وثلاثين" فيه إشارةٌ إلى أنها قد تزيدُ عَلَى هذا العدد، وقد تنقص، وإذا زادَتْ، ففي كتاب القاضي ابن كَجٍّ ما يخرَّج منه وجْهَان: