للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الرَّافِعِيُّ: الجلْدُ كالجنس الواحدِ من الأعضاء؛ من حيث إنه معدٌّ لغرض واحدٍ، فيجب في سَلْخه الدية، قال الأئمة -رحمهم الله-: وسَلْخُ جميعِهِ قاتلٌ، لكن (١) قد يفرض حياةٌ مستقرةٌ بعده، فيظهر إيجاب الدية فيه، لو حَزَّ غيرُهُ رقبته (٢)، وحكى الإِمام عن الشيخ أبي عليٍّ؛ أنه لو قطعت يداه (٣) بعد سَلْخ الجلْد، توزَّع مساحةُ الجلد على جميع البدن، فما يخص اليدين يحطُّ من دية اليدين، ويجبُ الباقي، وعلَى هذا القياسِ، لو قطع يد إنسان، ثم جاء آخر، وسلخ جلده، فيجب عَلَى من سلخ دية الجلد محطوطًا عنْها قسْطُ اليدين من الجلد، والله أعلم.

قال الغَزالِيُّ: النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنَ الجِنَايَاتِ مَا يُفَوِّتُ المَنَافِعَ وَهِيَ عَشَرَةٌ: الأُوْلَى العَقْلُ فَإِذَا أَزَالَهُ بِالضَّرْبِ فَدِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَلَوْ زَالَ بِقَطْعِ يَدَيْهِ فَالنَّصُّ أنَّهُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ لأنَّ العَقْلَ لَيْسَ لَهُ مَحَلٌّ مَخْصُوصٌ فَيَنْدَرجُ تَحْتَ كُلِّ عُضْوٍ تَكْمُلُ فِيهِ الدِّيَةَ، فَلَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيهِ فَزَالَ عَقْلُهُ فَدِيَتانِ، وَقِيلَ: لاَ يَنْدَرجُ العَقْلُ لأنَّهُ لَيْسَ فِي اليَدِ وَهُوَ القِيَاسُ، وَإِذَا شَكَكْنا في زَوالِ العَقْلِ راقَبْنَاهُ فِي الخَلَوَاتِ ثُمَّ لَمْ نُحَلِّفْهُ لأنَّهُ يَتَجَانَنُ فِي الجَوَابِ.

قَالَ الرافِعيُّ: هذا النوع الثالث في الجنايات المفوِّتة للمنافع:

فمنها: العَقْلُ، ويجب بإزالته الديةُ، روي في كتاب عَمْرو بْنِ حَزْمٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "وَفِي العَقْلِ الدِّيَةُ" (٤) ويذكر أنه مذهب عُمَر وزيد بْن ثابِتٍ -رَضِي اللهُ عَنْهُمَا- ولم يخالَفا فيه، وأيضًا: فالعقل أشرفُ المعانِي، وبه يتميز الإنسانُ عن البهيمة، ولا ينتفع بشيء انتفاعَهُ بالعقل، ولا يجب فيه القصاص؛ لعدم الإمكان، ولو انتقص عقله، ولم تستقم أحواله، نُظِرَ، إن أمكن الضبطُ، وجب قسط الزائل، والضبط قد يتأتى بالزمان بأن كان يُجَنُّ يومًا، ويفيق يوماً، فيجب نصف الدية، أو يومًا ويومين، فيجب الثلث، وقد يحصُلُ بغير الزمان، وذلك بأن يقابل صواب قوله، ومنظوم فعله بالخَطأ المصروح منهما، وتعرفُ النسبة بَيْنَهما، فيجب قسْطُ الزائل، وإن لم يمكنِ الضبطُ بأن كان يفزع أحيانًا مما لا يفزع منه، أو يستوحش إذا خَلاَ، فيجب فيه حكومةٌ يقدِّرها الحاكم باجتهاده، وذكر صاحب "التتمة" أن الديةَ إنَّما تجب عند تحقُّق الزوالِ بأن قَالَ


(١) في أ: لكنه.
(٢) قيل يتصور أيضًا في السالخ بأن تكون إحدى الجنايتين عمدًا والأخرى خطأ فالأصح أنهما لا يتداخلان، وكلام الشيخ يوهم اتفاق الأئمة على ما ذكره وجزم الماوردي في الحاوي بأنه يجب في سلخ الجلد حكومة لا تبلغ دية النفس ونقل ذلك أيضًا عن الصيمري في شرح الكفاية.
(٣) في ز: يده.
(٤) أخرجه البيهقي من حديث معاذ، وسنده ضعيف، قال: وروينا عن عمر وزيد بن ثابت مثله.

<<  <  ج: ص:  >  >>