للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على فرسَخَيْن، وإن انتقص من إِحدى العينين، فتعُصَّب العليلة، وتُطلق الصحيحةُ، ويوقف شخص في موضِعٍ يراه ويؤْمر بأن يتباعَدَ عَنْه إلى أن يقول لا أراه، فيُعْلَم [على] المسافة، ثم يُعَصَّب الصحيحةُ، وتُطلقَ العليلة، ويؤمر الشخص بأن يقترب راجعاً إلى أن يراه، فيضبط ما بين المسافَتَيْن، ويجب قسطه من الدية، وهذا الضبط مبنيٌّ على نهاية إبصاره في الصحيحة والعليلة، وهو متهم في الصحيحة بالزيادة، وفي العليلة بالنقصان؛ فلا يؤمن أنْ يكذب متدرجاً به إلى زيادة الواجب، فيمتحن في قوله:"أبصر (١) بالصحيحة" بأن تغيَّر ثياب الشخص الذي يبعدُ منه (٢)، ويقرب، ويسأل عنها، فينظر أيصيب أم لا؟ وفي قوله: "لا أبصرُ بالعليلة" قال بعضُهم: يحلف على أنَّه لا يبصر فوق تلك الغاية، وقال أكثرهم: يمتحن بانْ يضبط تلك الغاية، ويؤمر الشخص بأن ينتقل إلى سائر الجهَاتِ، والمجنيّ عليه بأن يدور، فإن توافَقَتِ الغاية من الجهات، فقد بأن صدْقُه، وإلا بانَ كذبه؛ لأن اختلافَ الجهاتِ لا يؤثِّر فيه، ويجري مثْلُ هذا الامتحان في نقصانِ السمْعِ من إحدى الأذُنين، فيمتحنُ في قوله: "أَسْمَعُ بالصحيحة"؛ بأن يغيِّر المنادي نداءه وكلامه، وينظر؛ هل يقف عليه المجنيُّ عليه، وفي قوله:" لا أَسْمَعُ بالعليلة" بأن ينتقل المنادي إلى سائر الجهات، وإذا انضبط (٣) تفاوتُ مسافتَي الإبصار، فالواجب القِسْطُ، فإن أبصر بالصحيحة من مائتَيْ ذراعٍ، وبالعليلة من مائةِ ذراعٍ، فموجبه التنصيف (٤)، ولكن لو قال أهلُ البصر: إن المائة الثانيةَ تحتاجُ إلَى مثلى ما يحتاج إليه المائة الأولى؛ لقرب الأولَى وبُعْد الثانية، فيجب ثلثا ديةِ العليلة؛ قال الشافعيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وما أرى أنَّ ذلك يضبط.

وقوله في الكتاب: "البَصَر يستوي (٥) فيه من الأعمش والأخفش ... " إلى آخره، هذا ساكت (٦) من جهةِ اللفظِ عن بيان وجوب الديةِ في بَصَر السليم، وكان الأحسن أن يقول: "البصر، وفيه كمالُ الديةِ، وإنْ كانَ من الأعمشِ والأخفشِ ... " إلى آخره؛ ليتناول اللفظُ السليمَ وغيره، وهو الذي قصده، فيعتبر، وقد ذكرنا في النوع الثاني معنى الأعمش والأخفش، وسألت بعضَهم، ففسَّر الأخفش بالذي يبصر بالليل دون النهار، والقول بكمال الدية إلى إبْطَال بصره يقتضي وجوب كمالِهَا في بَصَر الأعشَى أيضًا، وهو الذي يبصر بالنَّهار دون الليل، لكن في "التهذيب": أنه لو جنى عليه، فصار أعشى، فعليه نصفُ الدية وأنَّه لو عَشِيَتْ بالجناية إحدى عينيه، فعليه ربع الدية، وقضيةُ إيجابِ النصفِ، إذا جعله بالجناية أعشَى -إِيجابُ النصف، إِذا جنى على الأعشَى، فأَذْهَبَ


(١) في ز: اقتصر.
(٢) سقط في ز.
(٣) في ز: انضبطت.
(٤) في أ: النصف.
(٥) سقط في ز.
(٦) في ز: ساكن.

<<  <  ج: ص:  >  >>