للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: أنها على الوجهين فيما إذا قَلَع سنَّ غيرِ مثغور، ومات قبل أوانِ البيان.

وأصحهما: القطْعُ بوجوبها؛ لأن الظاهر في السنِّ العَوْدُ، ولو عاش (١) لاستمرار العادة، وههنا بخلافه، ولو قال الجاني: ماتَ بعد عَوْد السنِّ أو البصرِ، وقال الوارثُ: بل قبله، فالمصدَّق الوارث؛ لأنَّ الأصل عدم العود.

وإذا ادعى المجنيُّ عليه زوالَ البصر، وأنكر الجاني، فالذي أورده جماعةً من الأئمة، وهو المنقول عن "الأم" أنه يراجع أهل الخبرة، فإنهم إذا وقفوا الشخْص في مقابلة عين الشمس، ونظروا في عينيه، عرفوا (٢) أن الضوء ذاهبٌ أم (٣) قائمٌ بخلافِ ما في السمع لا يراجعون فيه؛ لأنه لا طريق لهم إلى معرفته، وقال آخرون، وعليه جرى صاحب الكتاب: إنَّه يمتحن بتقريب حَيَّة، أوْ عقرب منه، أو حديدة من حدقته مغافصة، فإن انزعج واضطرب، فالقول قول الجاني مع يمينه؛ وإلا، فالقول قوله مع يمينه، ويمكن أن يقدَّر في هذا اختلافٌ قولٍ أو وجهٍ، ورد في "التتمة" الأمر إلَى خيرة الحاكم إنْ أراد أن يراجعهم، فعل، وإن أراد أن يمتحنه، فَعَل، وإذا رجع أهْلُ الخبرة، فشَهِدوا بذَهَاب البصر، فلا حاجة إلَى التحليف، ويؤخذ الدية بخلاف الامتحان، فإنه لا بد من التحليف بَعْده، ولا يقبل في ذَهاب البَصَر، إنْ كانتِ الجنايةُ عمْداً إلاَّ شهادة رجلَيْن، وإن كان خطأً، قبلت شهادة رجُلٍ وامرأتينِ، وإن ادعى ذهاب البصر من إحدى العينَيْن، فيراجع أهل الخبرة، أو يمتحَنُ، كما ذكرنا في العينين.

وإن انتقص (٤) ضوءُ العينين، ولم يَزُلْ، فإن عرف مقداره؛ بأنْ كان يرى الشخص من مسافة مضبوطةٍ، فصار لا يراه إلا مِنْ بعضها، فيجب من الديةِ قِسْطُ الذاهب، وإن لم يعرف، فعلى الطريقين المذكورين في السَّمْع، فمنهم من اعتبره بمثله في السنِّ والصحَّة، وقال الأكثرون: يجب حكومة يقدِّرها الحاكمُ، ولا يعتبر بغيره؛ لاختلاف الناس في الإِدراك (٥)، ويروى عن الماسرجسيِّ أنه قال: رأيتُ صيَّاداً [كان] يرى الصَيْد


= لا يعود بصره فمات قبلها أو أصاب عينه شيء يجبها فذهابها من الجاني الأول حتى نستيقن أن ذهابها من وجع أو جناية وليس على الجاني الآخر إلا حكومة وكان على الجاني الأول القود إن كان عمدًا أو العقل إن كانت الجناية خطأ. انتهى.
(١) في ز: عاد.
(٢) في أ: علموا.
(٣) في أ: أو.
(٤) في ز: ينتقص.
(٥) وقد حكى في الذخائر الوجهين واستبعدهما.
وأما الاعتبار بالغير من أن النظر في الناس لا يتماثل فرُب صحيح النظر يرى الشيء من مسافة بعيدة ويراه غيره مع صحة نظره من مسافة أبعد منها، وأما اعتبار قوله وإيجاب حكومة فبعيد لأن الأصل عدم نقصان الضوء فكيف يقبل قوله بل ينبغي أن يكون القول قول الجاني مع يمينه وعلى المجني عليه البينة.

<<  <  ج: ص:  >  >>