للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إحداهما؛ لأنه لا يعرف إلا من جهته، وهذا قوله في الكتاب في آخر الفصل: "فَإِنْ كذَّبه الجانِي حَلَفَ المجنيُّ عليه"، قال في "الوسيط": فلو قال الجاني: "حَلِّفُونِي" فإن الأصل بقاءُ السمع، قُلْنا: لو فتح هذا البابُ، لم يعجز من يستخير (١) الجنايةَ عن الحَلِف، وجريان الَجناية سببٌ مظهر لجانب المجنيِّ عليه، فتصديقه أَوْلَى.

وقوله: "في إحداهما نصْفُ الدية" قضيةُ هذا اللفظ تعدُّد السمع، والسمع واحد؛ عَلَى ما مرَّ، وإنما التعدد في طريقه، والمرادُ بطلان السمع من إحْدَى الأذنَيْنِ.

وقوله: "وإذا شك في السمع" أي ادعى المجنيُّ عليه ذهابَ السمع ونازعه الجاني، وشككنا في أن الصادق أيهما، فيمتحن بالطريق المذكور؛ لتظهر الأمارة الدالَّة على صدق الصادق منهما، وكذب الكاذب.

وقوله: وإنْ نقص السَّمْعُ، جرب" كلمة "جُرِّب" ههنا غير واقعة موقعها؛ بخلاف ما في الصورة السابقة؛ فإن المقصود ههنا تقديرُ بدَلِ ما نقص بالنسبة المذكورة لا الامتحان.

قال الغَزَالِيُّ: الثَّالِثَةُ: البَصَرُ وَفِي إبْطَالِهَا مَعَ بَقاءِ الحَدَقَةِ كَمَالُ الدِّيَةِ، وَيسْتَوِي فِيه الأَعْمَشُ والأَخْفَشُ، وَمَنْ فِي حَدَقَتِهِ بِياضٌ لا يَمْنَع أصْلَ البَصَرِ كَمَالُ الدِّيَةِ، وَفِي إِحْدَاهُمَا النِّصْفُ، وَيُمْتَحَنُ بِتَقْرِيبِ حَدِيدَةٍ مِنْ حَدَقَتِهِ مُغَافَصَةً.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: في ضوء العينين (٢) تمامُ الديةِ؛ روي عن مُعَاذٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-؛ أنَّه قَالَ: "في البَصَرِ الدِّيَةُ" (٣) ولأن إتلافَ المنْفَعَة المقْصُودةِ (٤) من العُضْوِ تقتضي وجوبَ الدية؛ كإبطالِ منفعةِ البَطْش من اليد، وفي إذهاب ضوء إحداهما نصفُ الدية، ولا فرق بين ضَعِيفِ البصرِ، بالعَمَشِ وغيره، ولا بَيْن الأَحْوَل والأَخْفش وغيرهما، ولو فقأ عينيه، لم تجبْ إلا ديةٌ كاملةٌ، كما لو قطع يديه؛ بخلاف ما لو قطع أذنَيْه، وبطل سمعه؛ لما مر أنه ليس السمْعُ في الأذنين، ولو قال عدلان: إنَّ البصر، وإن اختلَّ، يعود إلى ما كان فيفرَّق بين أن يقدروا مدةً أو لا يقدِّروا، ويكون الحكم على ما مرَّ في الأذنين، ولو مات المجني عليه قبل مُضِيِّ تلك المدَّة، فلا قصاص للشبهة (٥)، وفي الدية طريقان.


(١) في ز: مستجنى.
(٢) في ز: العين.
(٣) قال فيه الحافظ في التلخيص: لم أجده.
(٤) سقط في ز.
(٥) وما جزم به بن عدم القصاص تبع فيه البغوي وصاحب المهذب لكن جزم الماوردي والبندنيجي والروياني وغيرهم بوجوب القود وهو الصواب، فإن الشَّافعي نص عليه في الأم فقال وإذا شهد من أقبل شهادته أن بصره قد ذهب وآخر إلى المدة التي وصفوا أنه إذا بلغها قال أهل البصر: =

<<  <  ج: ص:  >  >>