للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم الكلام في صورتين:

إحداهما: لو أنكر الجانِي زوالَ السمعِ، امتحن المجنيُّ عليه؛ بأن يصاح به في نومه وغفلته صياحَ مُنكِر، وبأن يتأمَّل حاله عند صَوْت الرعْدِ الشديدِ، فإن ظهر منه انزعاجٌ واضطرابٌ، ظهر (١) كذبه، ومع ذلك يحلف الجانِي؛ لاحتمال أن الانزعاج بسبب آخرَ اتِّفاقيَّ (٢)، وإن لم يظهر عليه أثر، بأن صدقه، ومع ذلك يحلفُ لاحتمال أنه يتجلَّد ويتكلَّف، وإن ادَّعى بطلان السمع من إحدى الأذنَيْن، وأنكر الجاني حُشِيَتِ السليمةُ، وامتحن في الأخرَى على ما ذكرنا.

الثانية: إذا انتقص سمعه من الأذنَيْن، فإن عرف قدْر ما نقص؛ بأن عرف أنه كان من أَيِّ موضع يسمع، وهو الآن يسمع ممَّا دون تلك المسافة، فيضبط ما انتقص، وُيؤْخذ قسْطُه من الدية، وإن لم يعرف، ولكن ساءَ سَمْعُه، وثقل أذنه، فالذي أورده أكثرهم، وعليه جرى صاحب "التَّهْذيب" وغيره: أنه لا سبيل إلى تقديره، ويجب حكومة يقدِّرها الحاكم باحتهاده، وذكر الإمَامُ وغيره أنه تقدَّر بالاعتبار بسمع رجل سليبم السمعِ في مثل سنِّه وصحَّته؛ بأن يجلس بجنب المجني عليه ويُؤْمَرُ من يرفعُ الصوت ويناديهما من مسافة بعيده لا يسمع فيها (٣) واحد منهما، ثم يقرب المنادي شيئًا فشيئاً إلى أن يقول السليمُ: سَمِعْتُ، فَيعْلَم على الموضع، ثم يديم المنادِي ذلك الحدَّ من رفع الصوت، ويقرب إلى أن يقول المجنيُّ عليه سمعت، فيضبط ما بينهما من التفاوت، وإنِ انتقص السمع من إحدى الأذنين، فيقدر النقصانُ بأن تصمَّم (٤) العليلة، ويضبط منتهى سماعِ الصحيحةِ، ثم تصمّم الصحيحة، ويضبط منتهى (٥) سماع العليلة، ويضبط ما بينهما من التفاوُت، ويؤخذ قِسْطُه من الدية، ويمكن أن يكون الفرقُ بين انتقاصِ السمعِ من إحدى الأذنَيْن؛ حيث اتفقوا على الاعتبار بالأخرى، ولم يعدلوا إلى الحكومة وبين أن يكُونَ الانتقاصُ في الأذنين جميعًا، حيث اختلفوا في أنَّ الواجب الحكومة، أو يعتبر المجنيُّ عليه بغيرة، والأشخاص يتفاوتون في السمْع حدَّةً وكَلاَلاً؛ بحسب الأمزجة، فاستعبد اعتبار شخصٍ بشخصٍ، ولم يستبعد اعتبار أذُنِ شخصٍ بأذنه الأخرَى، وإن كذبه الجاني فيما يدعيه؛ مِنِ انتقاص السمع، فالجواب في "التهذيب" وغيره؛ أن القول قولُ المجنيِّ عليه مع يمينه، سواءٌ ادعى الانتقاصَ في الأذنين، أو


(١) في ز: بان.
(٢) كذا جزم بالتحليف وهو فيه منابع للشيخ أبي حامد والماوردي والشيخ في المهذب وصاحب الشامل والتهذيب والتتمة، لكن الدارمي حكاه وجهًا وقال: عندي لا يحلف وهو المختار. قاله في الخادم.
(٣) سقط في ز.
(٤) في ز: يضم.
(٥) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>