للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِصَوْتٍ مُنْكَرٍ بغْتَةً، وَإِنْ نَقَصَ السَّمْعُ جرِّبَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ هُوَ فِي مِثْلِ سِنَّهِ بِقُرْبِ المَسافَةِ وَبُعْدِها، فَإنْ كذَّبَهُ الجَانِي حُلِّفَ المَجْنيُّ عَلَيْهِ.

قَالَ الرافِعِيُّ: في إبطالَ السمع كمالُ الدية؛ لما رُوِيَ عن مَعاذٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-؛ أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم-قَالَ: "وَفِي السَّمْعِ الدِّيَةُ" (١) ولو أبطل السمْعَ من إحدى الأذنين، ففي وجهٍ عن الشيخ أبي محمَّد؛ أنه يعتبر ما نقص من السمع، ويجب قسْطُه من الدية، وقد يقال: يَجِبُ فيه الحكومة؛ وذلك لأن السمع واحدٌ، وإنما التعدّد في المنفذ، بخلاف ضوء البَصَر، فإن تلك اللطيفةَ متعدِّدة، ومحلُّها الحَدَقة، والمشهور أنه يجب نصْفُ الدية، لا لتعدد السمع، ولكن (٢) ضبط النقصان بالمنفذ أولَى وأقرب من ضبطه بغَيْره، ولو قطع الأذن، وبَطَل السمع، وجبت ديتانِ؛ لأن السَّمْعَ ليس في الأذُن.

ولو جنَى عليه، فكان لا يسمعُ في الحال، لكن قال أهل البصر: إنَّه يتوقَّع عوده، نُظِرَ؛ إن قدَّروا مدة، انتظرنا تلك المدة، فإن لم يعد، أخذت الدية، واستثنى الإمامُ ما إذا قدَّروا مدة يغلبُ على الظن انقراضُ العمر، قبل انقضائها، وقال: الوجهُ أن تُؤْخَذَ الدية، ولا ينتظرَ هذه المدة كما لو لم يقدِّروا، وإن لم يقدَّروا مدة، فتؤخذ الدية في الحال؛ لأن الانتظار والتأخيرَ لا إلى غَاية؛ كالتفويت، فإن عاد (٣)، ردَّت الدية، إذا بان أنه لم يزل، وإن قال أهل البصر: لطيفةُ السمع باقيةٌ في مقرِّها، ولكن ارتتق داخل الأُذُنِ بالجنايةِ, وامتنع نفوذ الصوت، ولم يتوقَّعوا زوالَ الارتتَاقِ، فهلْ يكون تعطُّل المنفعة كزوالها؛ حتَّى تجب الديةُ بكمالها؟ ذَكَرُوا فيه وجْهَيْن، وألحقوهما بالوجْهَيْن فيما إذا أذهب سمع الصبيِّ، وتعطَّل لذلك نطقه، فإنَّ الطفل يتدرَّج إلى النُّطْق تَلَقِّياً مما يسمعُ، فهل يجب لتعطيل النطْقِ ديةٌ مضمومةٌ إلى دية السمع؟ فيه وجهان، ومال الإِمام -رحمه الله- في مسألة الارتتاق إلى وجوب الدية، وقال: بقاءُ السمعِ وسلامتُه ليْسَ موثوقاً به، والأظهر، وهو الجواب في "التتمة" وجوبُ الحكومة؛ فإنَّ التعطيل لا ينزَّل منزلة الزوال.

وأما قوله في الكتاب: "أو كسر صلب إِنْسان، فتعطَّل رجله، ففي تعدَّد الدية خلافٌ"، فهذا يُشْعِر بأن كسر الصُّلْب يوجبُ الدية بنفسه، وأنه إذا تعطَّلت الرِّجْل، كان تعطيلها كتعطيل (٤) النطْقِ؛ حتى تجب دية أخرى على رأْي، وفي كلام الإمامِ أيضًا ما يقتضي تعلّق الديةِ بمجرَّد كَسْر الصُّلْب، لكن الظاهر خلافه على ما سيأتي، إن شاء الله تعالى.


(١) رواه البيهقي من طريق قتادة عن ابن المسيب عن علي.
(٢) في ز: وإن.
(٣) في ز: عادت.
(٤) في ز: كتعطيب.

<<  <  ج: ص:  >  >>