للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجبت ديةُ العقلِ معه، ولا تداخل قولاً واحدًا، وإنما الخلافُ فيما إذا كان أرشُها دون الدية، هل تدخل الديةُ في العقل.

والثَّاني: نقل الإِمام عن القاضي الحُسَيْن؛ أن أرش الجناية، إن لم يكن مقدَّراً، لم يدخل في دية العقل قولاً واحدًا، وإنما الخلافُ في الجناية التي لها أرشٌ مقدَّر، وأما ما أورده في الكتاب، فالسابِقُ إلى الفَهْم منه وضْع الخلافِ في أنَّ دية العَقْل، هل تنْدَرج تحْت أرش الجناَيةِ؛ ووجّه الاندراج بأن العَقْل لا يختصُّ بعضو معيَّن يحلّ فيه؛ حتى يجتنب موقعه فأيُّ عضو مضمون بالدية، أفضى قطعه إلى زواله، جعل كأن العقل كان حالاً فيه حلولَ الضوء في الحَدَقة، لكن هذا يخالفُ ما حكينا عن الكيفية المشهُورة، ويخالف أيضًا ما ذكره الإمامُ فيما لو قطع يَدَيْ رجل، وزال عقله، وقلنا: يجبُ ديةٌ واحدةٌ، فإن لفظ الشافعيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يشيرُ إلَى أن الدية الواجبةَ ديةُ العقلِ، وديةُ اليدِ تندرج تحتها، ويخالف أيضًا قضية تشبيه العَقْل بالروحِ، فإن دية الروح لا تندرجُ تحت أروش الأطراف، وإنما تندرج الأروش (١) تحْتَها، ثم سياقُ الكتاب يُشْعِرُ بأن النصَّ الاندراجُ، وأن مقابلة وجْةٌ واحتمالٌ، وبأن الظاهر الأول، وإن كان القياسُ الثَّاني، لكن الخلاف في المسألة مشهورٌ بالقولَيْن، والظاهر الثاني عند الجمهور.

الثانية: لو أنكر الجانِي زَوالَ العقل، ونسبه إلى التجانُنِ، راقبناه في الخَلَوات، وأوقات الغَفَلات، فإن لم تنتظم أفعاله وأقواله، أوجبنا الدية، ولا نحلِّفه؛ لأنه يتجانن في الجواب، ويعدل إلى كلام آخَرَ؛ ولأن تحليفه يثبتُ جنونه، والمجنون لا يَحْلِف، وإن وجدناها منظومةً، فالقول قول الجاني مع يمينه، وإنَّما حلف؛ لجواز أنها صدَرَت منه اتفاقا أو جرياً على ما اعتاده (٢).

قال الغَزَالِيُّ: الثَّانِيَةُ: السَّمْع وَفِيهِ كَمَالُ الدِّيَةِ وَفِي إِحْدَاهُما نِصْفُ الدِّيَةِ، وَقِيلَ: حُكُومَةٌ لأنَّ مَحَلَّ السَّمْعِ وَاحِدٌ، وَلَوْ قِيلَ: السَّمْعُ بَاقٍ وَقَدْ وَقَعَ فِي الطَّرِيقِ ارْتِتَاق فَتَعَطُّلُ المَنْفَعَةِ كَزَوالِهَا عَلَى أَحَدِ الوَجْهَيْنِ، وَيَجْرِي فِيما إِذَا ذَهَبَ سَمْعُ الصَّبِيِّ فَتَعَطَّلَ نُطْقُهُ أَوْ ضُرِبَ صُلْبِ إِنْسَانٍ فَتَعَطَّلَ رِجْلُهُ فَفِي تَعَدُّدِ الدِّيَةِ خِلافٌ، وَإِذَا شَكَّ فِي السَّمْعِ جُرِّبَ


(١) في ز: الأرش.
(٢) صورة المسألة أن يدعي ولي المجنون زوال العقل لأن دعوى المجنون لا تسمع لعدم التكليف. نعم إن كان جنونه منقطعًا وادعى حال إفاقته فدعواه صحيحة واستشكل هذا الحكم لما فيه من مخالفة قواعد الشرع من إعطاء الشخص بدعواه وإن الصواب أنا نقول للولي إذا ادعى القول قول الجاني بيمينه، فإن حلف فلا شيء لك عنده وإن نكل لم يحلف الولى في الأصح، فإن قال الولي عندي بينة تشهد بأنه مجنون فشهد أهل الخبرة بذلك قبلت شهادتهم على مقتضى الظاهر كما تشهد له البينة بالمرض المخوف ونحوه وحينئذ يثبت جنون المجني عليه ويأخذ الولي الدية.

<<  <  ج: ص:  >  >>