للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجب قسطه من الدية وروي أن (١) الشَّافعي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: "وَلا أَحْسِبُهُ يُعْلَمُ"، وإن لم يُعْلم، فيجب حكومة يقدِّرها الحاكم بالاجتهاد، ولم يذكُروا ههنا الامتحانَ بمن هو في مثل شمِّه، ولا بُعْدَ في طرده ههنا، فإن انتقص الشم من أحد المَنْخِرَيْنِ، فيمكن أن يعتبر بالجانب الآخر، ولم يذكروه ولعلهم (٢) اكتفَوْا بالمذكور في السمع والبصر، وإذا ادعى النقصان، وأنكر الجاني، فيحلَّف المجني عليه، إذ لا يعرف ذلك إلا من جهته، وشبه ذلك بما إذا ادعَتِ المرأة انقضاءَ الأقراء، وقالت: حِضْتُ، وقد عُلَّق الطلاقُ بحيضها، قَالَ الإِمام: وينبغي أنْ يعيِّن المجنيُّ عليه قَدْرًا يطالب به وإلاَّ فهو كمن يَدَّعِي شيئًا مجهولاً، وسبيله في نفْسه (٣) أن يأخذ الأقل المستيقَنَ، ولو عاد الشمُّ بعد ما ظُنَّ زواله، وأخذت الدية، وجب ردُّها، ولو وضع المجنيُّ عليه يده على أنفه عنْد رائحة منْكَرة، فقال الجاني: فعلت ذلك لعود شَمِّك، وأنكر المجنيُّ عليه، فهو المصدَّق باليمين؛ لأنه قد يقع ذلك اتِّفاقًا، ولرعاف وامتِخاطٍ، وعند تفكُّر ونحوه.

قال الغَزَالِيُّ: الخَامِسَةُ: النُّطْقُ وَفِي إِبْطَالِهِ كَمَالُ الدِّيَةِ وَإِنْ بَقِيَ فِي اللِّسانِ فَائِدَةُ الذَّوْقِ والحُرُوفِ الشَّفَوِيَّةِ والحَلْقيَّةِ، وَفِي بَعْضِ الكَلاَمِ بَعْضُ الدِّيَةِ، وَيُوَزَّع عَلَى ثَمَانِيَةِ وَعِشْرِينَ حَرْفاً، وَتَدْخُلُ الشَّفَوِيَّةَ والحَلْقِيَّةُ فِي التَّوْزِيعِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا جنى على لسانه، فأبطل كلامه، فعليه كمالُ الدية؛ لما روي عن زيد بْنِ أَسْلَمَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنَّه قال: "مَضَتِ السُّنَّةِ بإيجَابِ الدِّيَةِ" (٤) ولأن اللسان عضْوٌ مضمونٌ بالدية، فتضمن منفعته العظمى بها؛ كاليد والرِّجْل، وإنما تؤخذ الدية، إذا حكم أهل البَصَر بأنَّ نطقه لا يعود، فإن أخذت، فعادَ، استردَّت، وإذا ادعى زوال النطْقِ، وأنكر الجاني، ففي "التتمة" أنَّه يفزَّع في أوقات الخَلْوة، وينظر هَلْ يبدر منه ما يُعْرَفُ به كذبه، فإن لم يظهر شيءٌ، حلف كما يحلف الأخرس، وأخذت الدية، ولو بطل بالجناية بعض الحروف، وزّعت (٥) الدية عليها، فإن الكلام يتركَّب منها، ولا فرق بين ما يخف على اللسان منها، وما يَثْقُل، قال في "التهذيب": والحروف مختلفةٌ في اللغات، وكلُّ من تكلم (٦) بلغة، فالنظر عند التوزيعِ إلى حروف تلك اللغة (٧)، وذكر


(١) سقط في ز.
(٢) في ز: وليعلم.
(٣) في أ: تعيينه.
(٤) رواه البيهقي، كما في التلخيص.
(٥) في أ: وزع.
(٦) في أ: يتكلم.
(٧) كذا قطعوا به وحاول صاحب الوافي تخريجه على الخلاف فيمن ولد أصم لم يسمع الكلام ولم يتكلم هل يجب فيه الحكومة أو الدية وجهان ووجه التخريج أن اللسان من حيث هو له صلاحية الكلام لجميع الحروف إذا لم يكن به عارض يمنعه لكونه ما أشكل لسانه في هذا الحرف لا ينبغي أن يعطي حكم تعطيله.

<<  <  ج: ص:  >  >>