للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاضي ابن كُجٍّ مثله، وحكى (١) عن رواية أبي الحُسَيْن بنِ القطَّان وجهين فيمن يتكلَّم بلغتين، وبَطَل بالجناية حُروفٌ من هذه، وأخرى من هذه، أنَّ الدية توزَّع على حروف أكثرهما حروفاً أو على أقلهما.

ثم في الحروف الموزَّع عليها وجْهانِ (٢)، قال أكثرهم، وهو ظاهر النَّصَّ: إن التوزيع يكونُ على جميعها، وهي (٣) ثمانيةٌ وعشرون في اللغة العربيَّة، فإن ذهب نصفها، وجب نصف الدية، وإن ذهب واحدٌ منها، وجب جزءٌ من ثمانية وعشْرين جزءًا من الدية، وعلى هذا القياسُ؛ وذلك لأنَّ الكلام يتركَّب من جميعها، وقال الإصطخريُّ: لا يدخل في التوزيع الحروفُ (٤) الشفويةُ، وهي الباء والميم والفاء والواو، ولا الحلقيةُ، وهي الهاء والعين والغين والحاء والخاء والهمزة، وإنما التوزيعُ على الحروف الخارجَة من اللسان، وهي ما عداها، وحكى أبو الفَرَج السرخسيُّ هذا المذْهَبَ. عن مالِكِ، وقد توجَّه ذلك؛ بأن منفعة اللسان هي النطْقُ بها، فيكون التوزيعُ عليها، وتكمل الديةُ فيها، ومن نصر الظاهر، قال: الحروفُ، وإن كانت مختلفةَ المخارج، إلا أنَّ الاعتمادَ في جميعِها على اللِّسَان، وبه يستقيمُ النطْقُ ويكمل، هذا إذا ذهب بعضُ الحروف، وله فيما بقي كلامٌ مفهومٌ.

أما إذا ذهب بعضُ الحروفِ، ولم يكن لَهُ فيما بَقِيَ كلامٌ مفهومٌ، ففي "التهذيب" أنه يجبُ كمالُ الديةُ؛ لأن منفعةَ الكلام [قد] فاتَتْ، ويحكَى هذا عن أبي إِسحاق، وعن القَفَّال، وفيما رواه الرويانيُّ أنَّه المذهب، ومنهم من قال: لا يلزمه إلاَّ قسْطُ الحروف الفائتة؛ لأنه لم يفت ما سواها من الحروف، وإنما تعطَّلت منافعُها، فصار كما إذا كَسَر صلبه، فتعطَّل مشيه، والرِّجل سليمةٌ؛ فإنه لا يلزمه بتعطيل المشْي ديةٌ أخرى، وفي "التتمة" أن هذا هو المشهورُ في المذهب، والمنصوص في "الأم"، ويمكن أن يكون السببُ فيما ذكره أنَّ الأئمَّة نقلوا في طرقهم عن "الأم"؛ أنه لو ذهب حرفٌ، وتعطَّل عليه بسببه الكلمةُ المشتملةُ عَلَى ذلك الحرف؛ كما إِذا ذهب حرفُ الميمِ، فلم يمكنه أن يأتي باسْمِ محمَّد، لم يلزمه إلا قسْطُ الحرف الفائت من الدية، ويجوز أنْ يقالَ: صورةُ النصِّ ما إذا لم يمكنه أنْ يأتي بالكلمة التي فيها الحرْفُ الذَّاهب، ولكن بقي له كلامٌ مفهومٌ، والذي صحَّحه القفَّال، صورتُهُ ما إذا لم يبْقَ له كلامٌ مفهومٌ، [والله أعلم].


(١) سقط في ز.
(٢) لم يرجح المصنف رحمه الله شيئًا منهما. قال في الخادم: الأقرب التوزيع على الأكثر لأن الأصل براءة ذمة الجاني فلا يلزمه إلا اليقين فعلى هذا يوزع على غير الحروف المذكورة للعربي.
(٣) في ز: وهو.
(٤) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>