للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وللوجه الثاني؛ بأن الدية لا تجبُ إلاَّ بتفويت المنفعة، وذلك برفعِ الحاجِزِ بين السبيلَيْن، فأما رفع الحاجزِ بين ثُقْبة البول ومدخلِ الذَّكَر، فإنه لا يفوِّت المنفعة، وإنما يَنْقُصُهَا، ويحكَى هذا الثاني عن ابْن أبي هريرة، والقاضي أبي الطيِّب، والشيخ أبي محمَّد، والشريف ناصر، وهو الذي أورده الرويانيُّ في "الحِلْيَة".

وصاحب "التهذيب" في الكتاب (١).

قال الشيخُ المتولِّي: والصحيحُ أن كلَّ واحد منهما إفضاءٌ موجبٌ؛ للدية؛ لأن الاستمتاعَ يختلُّ بكلِّ واحدٍ منهما؛ ولأن كل واحد منهما يفوِّت إمساك الخارج من أحد (٢) السبيلين وعلى هذا، فلو أزال الحاجزَيْن، فعلَيْه ديتان، والديةُ الواجبةُ بالإفضاء تختلفُ غلظًا وخفة باختلاف حالِ الإفْضاء، فقد يكون عمدًا محضًا؛ بأن تكون المرأة ضعيفة (٣) أو نحيفةً، والغالبُ إفضاء وطْئها إلى الإفضاء، وقد يكون عمدًا خطأ؛ بألاَّ يتضمن وطؤُهَا الإفضاءَ غالبًا وقد (٤) يكونُ خطأً محضًا؛ بأن يجد امرأة على فراشه، فيظنها امرأته التي عَهِدَها، فيطأها فيفضيها، وهذا إذا حصل الإفضاء بالوطء، ولا فرق في الدية بينه وبين أن يحصُلَ بأصبع أو خشبة، أو شيء محدَّد، وإذا أفضاها، وكان يسترسلُ بَوْلُها، ولا يستمسكُ، فعليه مع الديةِ حكومةٌ للشَّيْن الحاصلِ باسترسال البولِ، وفيه وجه أنه لا يجب إلاَّ الدية لأن زوال الحاجزِ يتضمَّن الاسترسال غالبًا، فلا يفرد بحكومة، ولا فرق في وجوب الديةِ في الإفضاء الحاصلِ بالوطء بين أن يوجد من الزوجِ أو الواطئِ بالشبهةِ أو الزاني، ويستقرُّ المهر على الزوج بالوطء المتضمِّن للإفضاء، ويجب به مهرُ المثلِ على الواطئ بالشبهة، وكذلك على الزانِي، إن كانت مكرهةً، وعليه الحدُّ، وقال أبو حنيفةَ: لا يجبُ على الزوج ضمانُ الإفضاء، ويجب على الواطئ بالشبهةِ المهْرُ، وثلثُ الدية، إنْ كان البولُ مستمسكًا، وإن كان مسترسلًا، وجبت الديةُ دون المهر، قال: ولا مهر على الزانِي المكْرَهِ؛ بناءً عَلَى أن الحدَّ والمهر لا يجتمعانِ، وتجب الدية إنْ كان البول لا يستمسكُ، وإن كان يستمسكُ، فعليه ثلثُ الدية، وإن كانتْ مطاوعةً؛ قال: لا يجبُ على الزانِي ضمانُ الإفضاء لتولُّده من الوطء المأذون فيه، ووافق أحمدُ أبا حنيفة في جميع ذلك، واحتجَّ الأصحابُ بأن المهر وديةَ الإفضاءِ بَدَلاً منفعتين مختلفتَيْن، فلا يدخل أحدُهُما في الآخر، وقالوا: إنَّها وإن طاوعَتْ، فإنما رضيت بالوطء، لا بالإفضاء، وقوله في الكتاب: "على الزوج" معْلَم بالحاء والألف؛ لما تبيَّن، ويجوز أن يُعْلَم لفظ "الزَّانِي" بالعلامتين أيضًا؛ لأنهما لا يوجبانِ الضمانَ عليه، إن كانت المرأة مطاوعةً، وأيضًا فلو كانت مكرهةً، والبول


(١) سقط في أ.
(٢) في أ: إحدى.
(٣) في ز: صغيرة.
(٤) في ز: فقد.

<<  <  ج: ص:  >  >>