للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قطعها، فإن قلنا بالتداخل، فله نصفُ الدية المخفَّفة؛ لأنه أخذ بالقطع نصف بدلِ النفْسِ، وإن قلنا: لا تداخل، فيأخذ كمال الدية المخفَّفة، وإنْ عفا عن قطع اليدِ، وإن قلنا بالتداخلِ، فعلى الوجهين على المنسوب إلى النصِّ؛ يجب نصف دية مخفَّفة، ونصف دية مغلَّظة لليد، وعلى الآخر ديةٌ مخفَّفة للنفْسِ، قال الإِمام: ولو قطع يديه، أو يديه ورجلَيْه، أو أصبعًا من أصابعه عمْدًا، ثم قبل الاندمال حزَّ رقبته خطأً أو بالعَكْس، وقلنا: يراعى صفة الجنايَتَيْن على القول بالتداخل فينَصَّف تغليظًا وتخفيفًا، ولا ينظر إلَى أقدار أُرُوش الأطرافِ؛ لتوزَّع الدية عليها تغليظًا وتخفيفًا؛ لأن الحكم بالتداخل مبنيُّ على أن الحزَّ بعد قطع الأطراف كسراية تلْك الأطراف؛ فكان الحَزُّ مع الجنايات السابقة، كجراحاتٍ مؤثرة في الزهُوق، انقَسَمَت عمدًا وخطأ، فحينئذٍ فتُنَصَّفُ الديةُ تغليظًا وتخفيفًا، ولا نَظَر إلى أقدار الأُرُوش، والله أعلم.

قال الغَزَالِيُّ: وَجَرَاحُ العَبْدِ مِنْ قِيمَتِهِ كَجَرَاحِ الحُرِّ مِنْ دِيَتِهِ عَلَى النَّصِّ، وَفِيهِ قَولٌ مُخَرَّجٌ أَنَّ الواجِبَ بِقَدْرِ النُّقْصَانِ، فَلَوْ قَطَعَ ذَكَرَ العَبْدِ وَجَبَ كَمالُ قِيمَتِهِ عَلَى النَّصِّ، وَعَلَى التَّخْرِيجِ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ إِذَا لَمْ يَنْقِصَ القِيمَةُ كَالبَهِيمَةِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: مقصود الفصل الكلامُ في الجناية على الرقيق، وقد مرَّ أن الواجب بقتل الرقيقِ قيمتُهُ بالغةً ما بلغَتْ يستوي في ذلك القِنُّ، والمدَبَّر، والمكاتَبُ، وأمُّ الولد، وأما الجناية عليه فيما دون النفْسِ، فينظر؛ إن كانت الجنايةُ مما توجِبُ مقدارًا في الحُرِّ؛ كالشَّجَّات، وقطع الأطراف، ففيه قولان:

أصحهما: أن الواجبَ فيها جزءٌ من القيمة، نسبته إليها نسبةُ الواجب في الحُرِّ إلى الدية؛ لما رُويَ عن عمر وعليٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-؛ أنَّ جراحَ العبدِ من ثَمَنِهِ كجراحِ الحُرِّ من ديته (١)، والمرادُ من الثمن القيمةُ، وعن سعيد بْنِ المُسَيَّب -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-؛ أن جراحَ العبدِ من قيمته، كجراح الحرِّ من ديته، ولأن العبد شخصٌ مضمونٌ بالقصاصِ، فيتقدَّر بدل أطرافه؛ كالحرِّ، وبهذا قال أبو حنيفةَ في رواية، ويروى عنه أن ما فيه منفعةٌ مقصودةٌ (٢) يضمَّن بالمقدَّر من قيمته، وما ليْسَ فيه منفعة


(١) قال الحافظ في التلخيص: أما الأثر عن عمر وعليّ فروى البيهقي عنهما أنهما قالا: في الحر يقتل العبد ثمنه بالغًا ما بلغ، وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز: أن عمر جعل في العبد ثمنه كجعل الحر في ديته، فيه انقطاع إلا أن أراد عمر بن عبد العزيز، وروى ابن أبي شيبة عن حفص عن حجاج عن حصين الحارثي عن الشعبي عن الحارث عن عليّ قال: ما جنى العبد ففي رقبته، ويخير مولاه إن شاء فداه، وإن شاء دفعه.
(٢) أخرجه الشَّافعي بإسناد صحيح إلى الزهري عنه، وفي رواية قال الزهري وكان رجال سواه يقولون: تقوم سَلْعَة.

<<  <  ج: ص:  >  >>