للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما إذا سَرَت الجراحاتُ، وقَطْع الأطراف، ومات فيها، فقد صارَتْ نَفْسًا، فالواجبُ ديةُ النَّفْس، ويسقطُ بدلُ الأطراف، ولو عاد، فحزَّ رقبته، أو قدَّه نصفَيْن، نُظِر؛ إن كان ذلك بعد الاندمالِ، فله ديةُ الأطراف، وديةُ النفسِ؛ لاستقرارِ دياتِ الأطرافِ بالاندمال، وإنْ كانَ قبل الاندمال، فقدولان: [أحدهما، وهو] (١) ظاهرُ المذهبِ، وهو المنسوبُ إلى النصِّ: أنه لا يجبُ إلاَّ دية النفس؛ لأنها وجبتْ قبل استقرار بدلِ الأطرافِ، فيدخل فيها بدلُ الأطراف، كما لو سَرَتْ، وأيضًا فإن السراية، إذا لم تنقطعْ بالاندمال، كانت الجناياتُ كلُّها قتلًا واحدًا.

والثاني، خرجه ابنُ سُرَيْج، وبه قال الإِصطخريُّ، واختاره الإِمام: أنه يجب دياتُ الأَطرافِ مع دية النَّفْس، ولا تداخل؛ كما لو حَزَّ بعْد الاندمالِ، وكما لو كان الجالي (٢) غيره، وهذا إذا اتفقتِ الجنايةُ على الأطراف، والجناية على النفْسِ في العمدية، أو الخَطَئِيَّةِ (٣).

أما إذا كانت إحداهما عمْدًا، والأخرى خَطَأً، وقلنا؛ بالتداخل عند اتفاقِ الصفَةِ، فوجهان، ويقال: قولان:

أحدهما: أن الحكْمَ كما لو كانا عمدَيْن، أو خطأَيْنِ.

وأشبههما: المنع؛ لأن التداخل يليقُ بحالة الاتفاقِ دون الاختلافِ، ولأن المستحقَّ عليه يختلفُ عند اختلاف الصفةِ، فلو قطع يد رجلٍ خطأً، ثم حز رقبته قبل الاندمال عمدًا، فللولي قتله قصاصًا، وليس له قطع يده، فإن قتله قصاصًا، فإن قلنا: بالتداخُلِ، وجعلْنا الحكم للنفْسِ، فلا شيء له من الدية، وإنْ قلنا، بعدمِ التداخلِ، فيأخذ نصف الدية من العاقلة لليد، وإن عفا عن القصاص، فإن قلنا بالتداخل، فوجهان:

أحدهما: أنه يجبُ ديةٌ نصفُها مخَفَّفةٌ على العاقلة، وصفُها مغلَّظة على الجانى، ويراعى الصفتان، وينسبُ هذا إلى النصِّ.

وأظهرهما، وهو الذي أورده في "التهذيب": أنه يجب دية مغلَّظة على الجاني؛ لأنا إذا قلنا بالتداخل، فمعناه إسقاطُ بدل الطرف، والاقتصارُ على بدل النفس لصيرورةِ الجنايةِ نفسًا، ولو لم يسبق قطعُ اليد، لكان يلزمه دية مغلَّظة، فكذلك هاهنا، وإن قلنا لا تداخل، فيجب نصف دية مخفَّفة على العاقلة لليد، وديةٌ مغلَّظة عليه للنفس.

وإن قطع يديه عمدًا، ثم حز رقبته قبل الاندمال خطأً، فللوليِّ قطع يده، وإذا (٤)


(١) سقط في ز.
(٢) في ز: الحاز.
(٣) في ز: الخطاية.
(٤) في ز: وإن.

<<  <  ج: ص:  >  >>