للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عالمًا بالجُحْر أو الشَّقِّ ولم يحتطْ، وإذا حفر البئْرَ في أرض خوَّارة، ولم يَطْوِها، ومثلها ينْهَار إذا لم يُطْوَ، كان مقصِّرًا، كما ذكرنا في سَعَة البئر، ولا بدَّ من هذا الاحتياطِ؛ حيث جوَّزنا حفْرَ البئر في الشارع.

وقوله في الكتاب: "في يومِ ريحٍ" يجوزُ أن يقرأ على إضافة اليَوْم إلى الريح، ويجوز أن يقرأ "في يَوْمِ ريحٍ"، ويجعل الريح نعتًا لليوم.

الثالثة: يجوز إخراج الميازِيب إلى الشوارع؛ لما فيه من الحاجة الظَّاهرة، ويروَى أن عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مَرَّ تحْتَ مِيزَابِ العبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المطَّلِبِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَقَطَرَتْ عَلَيْهِ قَطَرَاتٌ، فأَمَرِ بِقَلْعِهِ، فَخَرَجَ العَبَّاسُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَقالَ: أتَقْلَعُ مِيزَابًا نَصَبَهُ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بيَدِهِ؟ فَقالَ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: واللهِ، لا يَنْصِبُهُ إِلاَّ مَنْ يَرْقَى عَلَى ظَهْرِي، وَانْحَنَى للْعَبَّاسِ، حَتَّى رَقِيَ عَلَيْهِ، فَأَعَادَهُ إِلَى مَوْضِعِهِ (١).

وليكن الميزابُ عاليًا كالجَنَاحِ، فإذا سقط منه شيءٌ، فهلك به إنسان، أو مَالَ، ففي وجوب الضمانِ قولانِ:

القديمُ، وبه قال مالكٌ: أنه لا ضمان؛ لأنه من ضرورة البناء، فأشبه ما لو تولَّد الهلاك من بنائه، بخلاف الجناح.

والجديدُ: أنه يجب، وبه قال أبو حنيفة؛ لأنه ارتفاقٌ بالشارع، فيكون جوازه بشَرْط السلامة؛ كما في إشراع الجناح؛ وكما إذا طرح ترابًا في الطريق ليطيِّن به سطحه، فزلق به إنسانٌ وهلك، يلزمه الضمان، ودعوى الضرورة ممنوعةٌ؛ فإنه يمكنه أن يتخذ لماء السطح بئرًا في داره أو يحدِّر الماء في أخدودٍ في الجدار من غير إخراج شَيْءٍ، وعلى هذا؛ فلو كان الميزابُ خارجًا كلُّه بأن سُمِّر على خشبة من السقف، فانقطع، وجب جميعُ الضمان (٢) وإن كان بعضُه في الجدارِ وبعْضُه (٣) خارجًا منه (٤)، فإن انكسر وسقط الخارج أو بعضه، وحصل الهلاك به، فكذلك، وإن انقلع من أصْلِه،


= وقال الجاجرمي في الإيضاح: الأصل براءة الذمة، وإن غلب على الظن مجاوزة الحل بالغيرة بالسبب الظاهر لا بالبراءة الأصلية على الأصح.
(١) ورواه أبو داود في المراسيل من حديث أبي هارون المدني، قال: كان في دار العباس ميزاب، ورواه الحاكم في ترجمة العباس من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم بسنده، عن عمر أنه دخل المسجد فإذا ميزاب فذكر نحوه، وقال: لم يحتج الشيخان بعبد الرحمن، وقد وجدت له شاهدًا من حديث أهل الشام. قاله الحافظ في التلخيص.
(٢) وقضيته تعليله أنه لا فرق بين أن يسقط كله أو بعضه.
(٣) في ز: والبعض.
(٤) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>