للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أراد به تعلُّقَ الضمان بهم بوجوبه عَلَى عواقلهم، لا وجوبَ الضمانِ عليهم في أنْفُسِهِمْ، وقد وقَع في لَفْظ الشافعيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- في مسألةِ وضْع الحَجَر، وإذا قلنا: إن العاقلةَ يتحملَّون الدية فالوجوب يلاقي الجاني أخذًا بظاهر اللفظ، [والله أعلم].

قال الغَزَالِيُّ: وَلَوْ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ فَسَقَطَ عَلَيْهِ آخَرُ فَضَمَانُهُما عَلَى عَاقِلَةِ الحَافِرِ، وَهَلْ لِوَرَثَةِ الأَوَّلِ مُطَالَبَةُ عَاقِلَةِ الثَّانِي بِنِصْفِ الدِّيَةِ حَتَّى يَرْجِعُوا بِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الحَافِرِ؟ فِيهِ تَرَدُّدٌ، مَنْشُؤُهُ أَنَّ المُكْرَهُ هَلْ يَتَعَلَّقُ بِهِ عُهْدَةٌ؟، وَلَوْ تَزَلَّقَ عَلَى طَرَفِ البِئْرِ فَتَعَلَّقَ بِآخَرَ وَجَذَبَهُ وَتَعَلَّقَ الآخَرُ بِثَالِثِ وَجَذَبَهُ وَوَقَعَ بَعْضُهُم عَلَى البَعْضِ فالأَوَّلُ مَاتَ مِنْ ثَلاَثَةِ أَسْبَابٍ بِصَدْمَة البِئْرِ وَثَقِلَ الثَّانِي والثَّالِثِ وَهُوَ مُتَسَبَّبٌ إَلَى وَاحِدٍ فَيُهْدَرُ ثُلُثُ دِيتِهِ وَثلُثُهُ عَلَى الحَافِرِ وَثُلُثُهُ عَلَى الثَّانِي فَإِنَّهُ جَذَبَ الثَّالِثِ وَأَمَّا الثَّانِي هَلَكَ بِسَبَبَيْنِ وَهُوَ مُتَسَبِّبٌ إِلَى أَحَدِهِمَا فَيُهْدَرُ نِصْفُهُ وَنِصْفُ دِيتِهِ عَلَى الأَوَّلِ لِأَنَّهُ جَذَبَهُ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَكُلُّ دِيتِهِ عَلَى الثَّانِي.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا وقع في البئرِ واحدٌ [خَلْفَ واحدٍ]، وهلكوا أو بعضُهم، فإما أن يكون وقوع الثاني بجَذْبِ الأول، أو من غير جذبه:

الحالة الأولَى: إذا وقع الثاني من غير أن يجذبه الأوَّل، فإن مات الأول، فالثاني ضامنٌ؛ لأنه أتلفه بثَقلِهِ ووقوعِهِ عليه، فكان كما لو رماه بحَجَر، فقتله، وما الذي يلزمه ينظر؛ إن تعمد إلقاء نفسه عليه، ومثله يَقْتُلُ مثْلَهُ غالبًا؛ لضخامته، وعُمْق البئر، وضيقها فعليه القصَاص، وإن تعمَّده، لكنه لا يقتل بمثله غالبًا، فهو شبه عمد، وإن لم يتعمَّد وتردَّى في البئر بغير اختياره، أو لم يعلم وقوع الأول في البئر، فهو خطأ محضٌ، ثم الذي أطلقه المطْلِقُون، إذا آل الأمر إلى المال؛ أنه تجبُ الدية بتمامها، وقد يحتجُّ له بما روي أن بصيرًا كان يقُودُ أعمَى، فوقع البصيرُ في بئْرٍ، ووقع الأعمَى فوقه، فقتله، فقَضَى عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِعَقْلِ البَصِيرِ على الأَعْمَى، فذكر أنَّ الأَعْمَى كان ينشد في المَوْسِمِ: [الرجز]:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ، رَأَيْتُ مُنْكَرًا!!

هَلْ يَعْقِلُ الأَعْمَى الصَّحِيحَ المُبْصِرا؟

خَرَّا مَعًا كِلاَهُما تَكَسَّرا

واستدركَ مستدركونَ؛ فقالوا: كما أن وقوعَ الغيرِ على الإنسان مُهْلِكٌ، فوقوعه في البئر وتأثُّره بما يصادِمُه (١) مهلِكٌ أيضًا، فالأول ماتَ بوقوع الثاني عليه، وبوقوعه في البئر، فعلى الثاني نصفُ الدية، ويكون النصْفُ على الحافر، إن كان الحفر (٢) عدوانًا،


(١) في ز: يعتاد به.
(٢) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>