للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: يُهْدَر ديةُ الماشِي، ويجب على عاقلته ديةُ الواقِفِ أو القاعدِ أو النائمِ؛ لأن القتل حصل بحرَكَتِهِ، والمَشْيُ ارتفاقٌ بالطريق، فيباحُ بشرط السَّلامة، فصار كما إذا تردَّد الأعمَى في الطريق بلا قائد، فأتلف، فلَزِمَهُ الضمان.

والثاني: تقريرُ النصَّيْن، والفرق أن الماشي قد يحتاجُ إلى الوُقُوف؛ لانتظار رفيقٍ أو كلالٍ أو سماع كلامٍ، أو إِسماعِهِ، فالوقوف من مرافِقِ الطريقِ؛ كالمشْي، لكن الهلاكَ حصَلَ بحركة الماشِي، فيختص بالضمان، والقعودُ والنومُ ليْسَا من مرافق الطريقِ، فمن قَعَد أو نامَ، فقد تعدَّى، وعرض نفْسَه للهلاك، وهذا ما اختاره القاضي الحُسَيْن، وفي "التهذيب" أنه الأصحُّ، وقال أصحابنا العراقيُّون: يجبُ على عاقلة كلِّ واحدٍ من الماشِي والواقِفِ ديةُ الآخر، أما الماشي، فلأنَّه قتل الواقف، وأما الواقف، فلأنه تسبَّب إلَى قتل الماشي بالوقوف في الطريق، وينسب هذا إلَى نصِّه في القديم، ونقلوا وجْهًا آخر؛ أنه لا ضمانَ عَلَى عاقلة الواقفِ؛ لأنه لا حركَةَ منه، والقعودُ عَلَى هذه الطريقة كالوُقُوف، ويخرجُ من الطريقَيْن في الواقِفِ والماشِي ثلاثةُ أوجُه، أو أقوالٍ:

أحدُها: وجوبُ دية كلِّ واحدٍ منهما عَلَى عاقلة الآخر.

والثاني: وجوبُ ديةِ الواقِف عَلَى عاقلة الماشِي، دون العكس.

والثالث: وجوبُ ديةِ الماشِي عَلَى عاقلة الواقِفِ، دون العكس، والأقربُ الثَّاني، وبه أجاب صاحب "التتمة" ورجَّحه أبو الحَسَنِ العَبَّادِيُّ، ويليه الأول، وهذا كلُّه فيما إذا لم يوجَدْ من الواقف فعلٌ، فإن وجد كما إذا انحرف إلى الماشي، لما قَرُب منه وأصابه في انحرافه، وماتا، فهما كماشِيَيْنِ اصْطَدَما، وسنذكر حُكْمَه، ولو انحرف عنْه، فأصابه في انحرافه، أو انحرف إليه، وأصابه بعد تمامِ الانحرافِ، فالحكْمُ كما لو كان واقفًا لا يتحرَّك.

ولو جلس في مسْجدٍ، فتعثَّر به إنسانٌ وماتا، فعلى عاقلة الماشي ديةُ الواقفِ، ولا ضمان للماشي؛ كما لو جلس في ملكه، فتعثَّر به ماش، ولو (١) نام في المسجد معتكفًا، فكذلك، ولو جلس لأَمْرٍ يُنَزَّهُ عنه المسجدُ، أو نام غيْرَ معتكِفٍ، فهو كما لو نام في الطريق، ذكره في "التهذيب" (٢)، وعن أبي حنيفة وأصحابه، أنَّ الجالس يضمن ديةَ الماشِي، إذا جلس لغير الصَّلاة، ولا يخفى أن ما أطلقه صاحبُ الكتاب في هذا الفَصْل، والذي قبله من أنَّ الضمان على الحافر، وعلى واضع الحجر، وعلى القاعد،


(١) سقط في ز.
(٢) ما نقله عن البغوي في النوم لغير المعتكف لم يصرح به بل ذكر الاستيطان وعبارته لو جلس لأمر تنزه عنه المسجد إذا استوطن المسجد إلا لقربه فهو الجاني لا الصادم فإن مات الصادم يجب الضمان على عاقلته. انتهى وكذا ذكره الخوارزمي في الكافي إلا أنه فرضه في الجلوس.

<<  <  ج: ص:  >  >>