للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجوبَ الضَّمان على الخلافِ؛ فيما إذا قال: إدِّ دَيْنِي، فأدَّاه، هَلْ يرجعُ عليه، وقطع الأكثرونَ بالمَنْع، وفرَّقوا بينه وبيْن أداء الدَّيْن؛ بأن أداء الدين (١) منفعةٌ لا محالة، وإلقاء المتاع قد يُفْضِي إلى النجاة، وقد لا يفضي إلَيْها، قال في "التهذيب": وتعتبر قيمة المُلْقَى بما قبل هَيَجَانِ الأمواج؛ فإنه لا قيمة للمال في تلْكَ الحالة، ولا يجعلُ قيمة المال في البَحْر، وهُوَ على خَطَر الهلاك كقيمته في البَرِّ، ثم الضمانُ إنما يجبُ على الملْتَمِس بشرطَيْن:

أحدهما: أن يكون الالتماسُ عند خوفِ الغَرَق، فأما في غير حالِ الخَوْف، فلا يقتضي الالتماسُ الضمانَ، سواءٌ قال: عَلَيَّ أنِّي ضامنٌ، أو لم يقُلْ؛ كما لو قال: أهْدِمْ دارَكَ، ففَعَل.

والثاني: ألاَّ يختصَّ فائدة الإِلقاء بصاحب المتاع (٢).

واعلم أنَّ فائدة التلخيص بإلقاء المتاع تفرض على وجوه:

أحدها: أنَّ تختصَّ بصاحب المتاع، فإذا كان في السفينة المشْرِفة (٣) راكبٌ ومتاعُهُ، فقال له غيره مِنَ الشَّطِّ، أوْ من زَوْرَقٍ بقُرْبها: "ألْقِ مَتَاعَكَ في البَحْرِ، وعلَيَّ ضمانُهُ" فألقَى، لم يجب الضمانُ، ولم يحلَّ له الأخذ؛ لأنه فعْل ما هو واجبٌ عليه؛ لغرض نفسه، فلا يستحقُّ به عوضاً؛ كما لو قال للمضطَرِّ: "كُلْ طعامَكَ، وأنا ضامِنٌ" فأكل، فلا يرجع على الملتَمِسِ بشَيْء.

والثاني: أن يختصَّ بالملتمِسِ بأن أشرفَتْ سفينةٌ على الغَرَق، وفيها متاعٌ لغيره، وهو خارجٌ منْها، فقال له: أَلْقِ متاعَكَ في البَحْر، وعَلَيَّ ضمانُهُ، فيجب الضمانُ، إذا ألقَى عَلَى ما ذكَرْنا، ولا فرق بيْنَ أن تحصلَ السلامة أوْ لاَ تحصُلَ؛ حتى إذا هلك الملتمسُ، يكُونُ الضمان في تركته.

والثالث: أن تختص بغيرهما؛ بأن كان الملتمِسُ، وصاحبُ المتاعِ خارجَيْن من السفينة، وفيهما جماعةٌ مشرفون علَى الغَرَق، فيجب الضمانُ على الملتمس أيضاً؛ لأن تخليصَ من فيها غرضٌ صحيحٌ، وإذا جاز بَذْلُ المالِ في خلع الأجنبيِّ لدفع سلطنة الزوْجِ، فَلأَنْ يجوزَ التخليصُ من الهلاك، كَانَ أوْلَى.

والرابع: إذا رجعتْ فائدةُ التخليصِ إلَى مُلْقِي المتاعِ وغيره، والملتمسُ خارجٌ من السفينة، ففيما يجب الضمَانُ وجهان:


(١) في أ: دينه ينفعه.
(٢) اعلم أن هذا الشرط ذكره المراوزة كالقفال والقاضي الحسين ومن تبعهما ولم يذكره العراقيون وليس متفقاً عليه أيضاً.
(٣) في ز: المترفه.

<<  <  ج: ص:  >  >>