للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكذلك، ولو قتل العشرةَ، حين عاد، أهدر العشر مِنْ دم كلِّ واحدٍ، ووجب على عاقلةِ كلِّ واحد من الباقِينَ عُشْر الدية، ولو أصاب الحَجَرُ غيرهم، نُظِرَ؛ إن لم يقصدوا واحداً، أو أصاب غَيْرَ مَنْ قصدوا، كما إذا عاد الحَجَرُ وقتل بعض النَّظارة، فهذا خطأٌ يوجب الديةَ المخفَّفة على العاقل، وإن قصدوا شخصاً أو جماعةً بأعيانهم، فالذي أورده العراقيُّون؛ أنَّه شبه عمدٍ، إذا أصاب الحَجَر من قصدوه؛ لأنه لا يمكنُ أنْ يُقْصَدَ بالمَنْجَنِيقِ شَخْصٌ معيَّن، أو جماعةٌ معينُونَ، فتجب الدية على عواقِلِهِمْ مغلَّظة، وقال (١) آخرون: إِنْ كان الغالبُ أنَّه يصيبُ مَنْ قصد، فهو عمْد يتعلَّق به القصَاصُ أو الدية المغلَّظة في أموالهم، وهذا ما أورده الصيدلانيُّ، والإمام، والمتولِّي، وصاحبُ الكتاب، ورجَّحه صاحبُ "التَّهْذيب"، والقاضي الرُّويانيُّ، وأقاما الكَلاَمَيْن وجْهَيْن، ويشبه أن يقال: الخلافُ راجعٌ إلَى أنَّه، هل يتصوَّر تحقيقُ هذا القصْد في المنجنيق، فإن تصور، فما ينبغي أن يفرَّق بينه وبين سائر الآلات المهْلِكة.

وقوله في الكتاب: "وقدَرُوا عَلَى إِصابته" فيه إشارة إلى أنَّ تحقيق القَصْد في هذه الآلة؛ كالمستبعد، لكن لو تأتَّى لهم ذلك؛ لحَذَقِهِمْ، كانوا متعمِّدين، ويجوز أنْ يعْلَم قوله: "فهو عَمْد" بالواو؛ لما ذكرنا، وإن قصدوا واحداً أو جماعةً، والغالب أنَّه لا يصيبُ من قَصَدوه، فهو شبه عَمْد، والعلْمُ بأنه يصيبُ واحداً منهم، لا بعينه أو جماعة من القوم لا بأعيانهم لا يتحقَّق العمد به، ولا يوجب القصاص؛ لأن العمد يعتمدُ قصد عين الشخْصِ، ولهذا لو قال: اقْتُلْ أَحَدَ هؤلاءِ، وإلاَّ قتلتك، فقتل أحدَهُمْ لا يجبُ القصاصُ على المُكْرهِ؛ لأنَّه لم يقصد عيْنَ أحدهم، ثم الذي أورده صاحبُ الكتاب؛ أنَّه يكون ما جرى خطَأً في حقِّ ذلك الواحِد؛ لذلك ذكره ههنا، وفي "الوسيط"، وعدَّه صاحبُ "التهذيب" شبه عَمْدٍ يجب به الديةُ المغلَّظة على العاقلة، وهذا هو الوجْهُ إذا قصدوا واحداً أو جماعةً لا بأعيانهم، وكذا لو رمى سهماً (٢) إلَى جماعة، ولم يعيِّن واحداً (٣) منهم، ثم استدرك الإِمام، فقال: الذي ذكرنا أنَّه لا يجبُ القصاص مفروضٌ فيما إذا قصد الرامي إصابة واحدٍ لا بعينه أو جماعة مخصوصِينَ، فأصاب الحَجَرُ واحداً أو جماعةً لا غير، فأما إذا كان القومُ محصورِينَ في موضع، وكان الحَاذق عَلَى علْمٍ بأنه إذا سدَّد الحَجَر عليهم أتَى على جميعهم، وحقَّق قصْدَه، وأتَى عليهم، فالذي أراه


(١) في ز: فقال.
(٢) في ز: بهما.
(٣) قال الشيخ البلقيني وغيره: قد ذكر المصنف قبيل باب الديات أنَّه لو رمى إلى شخصين أو جماعة وقصد إصابة أي واحد منهم كان فأصاب واحداً ففي القصاص وجهان. قال النووي من زيادته: الأصح وجوبه وما زاده غير معتمد والأصح أنَّه لا يجب القصاص. انتهى.
والحاصل أن ما ذكره الشيخ المصنف هو المعتمد، وقد قدمت التنبيه على ذلك في أول الجنايات.

<<  <  ج: ص:  >  >>