للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الرَّافِعِيُّ: الجهة الثانية الوَلاَءُ، وهي متأخرة عن عُصُوبَة النَّسَبِ، كما في الميراث، فإذا لم يكن للجاني عَصَبَةٌ من النسب أو كانوا، ولم يَفِ التَّوْزيعُ عليهم بالواجب، فيتحمل مُعْتقُهُ إن كان الجاني عَتِيقاً، فإن لم يكن، أو فَضَلَ عنه شيء تَحَمَّلَ عَصَبَاتُهُ من النَّسَبِ، فإن لم يكونوا، أو فَضَل تحمل مُعْتقُ المُعْتَقِ، ثم عَصَبَاتُهُ.

وهل يدخل في عَصَبَاتِ المُعْتِقِ ابْنُهُ وأبوه؟

فيه وجهان عن رواية القَفَّالِ وغيره:

أحدهما: نعم؛ لأنهما من العَصَبَةِ، وإنما لم يدْخُل ابن الجَانِي وأبوه للْبَعْضيَّةِ، ولا بَعْضِيَّةَ بين الجاني وبين ابن المُعْتِقِ وأبيه.

وأظهرهما: المنع، واعتمدوا فيه ما روي أن عمر- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قضى على عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بأن يعْقلَ عن موالي صَفِيَّةَ بنت عبد المُطَّلِب، وقضى بالميراث لابنها الزُّبَير بن العَوَّام -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ولم يضرب الدِّيَةَ على الزبير -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، وضَرَبَهَا على عَلِيٍّ -كَرَّمَ الله وَجْهَهُ-؛ لأنه كان ابْنَ أخيها (١)، واشتهر ذلك فيما بينهم.

ومنعها (٢) الإِمام، وصاحب الكتاب في "الوسيط"، فجَعَلاَهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ابن عَمِّهَا، ويجري الوجهان في ابن مُعْتقِ المُعْتَقِ وأبيه، إذا لم يُوجَدْ من له نِعْمَةُ الوَلاَءِ على الجاني، ولا أحد من عصباته، فيتحمل معتق الأب، ثم عصباته، ثم مُعْتقُ معتقِ الأب، ثم عَصَبَاتُهُ، كما ذكرنا في الجَانِي.

فإن لم يوجد من له نِعْمَةُ الوَلاَءِ على الأب، فيتحمل مُعْتقُ الجَدِّ، ثم عَصَبَانُهُ كذلك إلى حيث ينتهي.

وقوله في الكتاب: "فإن لم يُصَادِفْ عصبته" أي.: من النَّسَبِ.

يقال: صَادَفَ الشَّيْءَ، أي: وَجَدَهُ، ويمكن أن يُشَارَ بهذه اللفظةَ إلى شيء، وهو أن النَّاسَ كلهم أوْلاَدٌ لآدم -عليه السلام- ولكل واحد منهم عَصَبَاتٌ من بني الأعمام أقْرَبُ من غيرهم لا مَحَالَةَ، إلا أنهم لا يعرفون إذا لم يُضْبَطِ النَّسَبُ، فلم يقل: فإذا لم يكن له عَصَبَةٌ، ولكن قال: فإذا لم يوجدوا؛ لِيُبَيِّنَ أن الرجل إذا لم يُعْرَفْ نَسَبُهُ وَقبيلَتُهُ يعرض عن عَصَبَاتِهِ من جهة النسب، وينظر هل عليه وَلاءٌ أم لا؟

واللَّقيطُ الذي لا يُعْرَفُ نَسَبُهُ لو ادَّعَاهُ رجل، أو انْتَسَبَ إلى مَيِّتٍ، واعترف به


(١) أخرجه البيهقي من حديث سفيان عن حماد عن إبراهيم أن علياً والزبير اختصما في موالي لصفية إلى عمر، فقضى بالميراث للزبير، والعقل على عليّ، وهو منقطع.
(٢) في أ: وسها.

<<  <  ج: ص:  >  >>