للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العاقلة الخَاصَّةِ، وعلى بيت المَالِ. وهل يجب على أَبِيهِ وابنه كما تَجِبُ عليه؟ فيه وجهان:

أحدهما: وبه قال أبو علي الطَّبَريُّ: نعم، وُيبْدَأُ بهما قبل القَاتِلِ؛ لأنا إنما لا نُحَمِّلُ الأب والابن؛ لأنهما بعضه، فإذا تَحَمَّلَ تَحَمُّلاً.

وأقواهما: عند صاحبي "المهذب" و"التهذيب" المَنْعُ؛ لأن الإيجَابَ على القاتل من جِهَةِ أنه الأصْلُ وغيره يتحمل (١) عنه، فهذا تَعَذَّرَ التحمل طُولِبَ بِحُكْمِ الأَصْلِ، وهذا المعنى لا يَتَحَقَّقُ في الأب والابن.

المسألة الثانية: إذا اعْتَرَفَ بالخَطَأِ، أو شِبْهِ العَمْدِ وصَدَّقْتُه العاقلةُ، فعليهم الدِّيَة، وإن كَذَّبَتة لم يقبل إقْرَازرُهُ عليهم، ولا على بَيْتِ المال ولكن يَحْلِفُونَ على نَفْي العلم، فإذا حَلَفُوا كانت الدِّيَةُ على المُقِرِّ؛ لأنه لا سَبِيلَ إلى التَّعْطِيلِ، وقد تَعَذَّرَ التحمل، ويروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا تحمل العاقلة عَمْداً، ولا اعْتِرَافاً" (٢).

قال الإِمام: ولم يُخَرِّجِ الأَصْحَابُ [الوجوب] (٣) على (٤) المقر [على] الخِلاَفِ في أن الجَانِيَ يُلَاقِيَهُ الوجوب، ويتحمل العَاقِلَةُ، أو تجب الدِّيَةُ على العاقلة ابْتِدَاءً.

ولا يبعد عن القياس أن يُقَالَ: إذا لم يُلَاقِ الوجوب الجاني لا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لأنه إنما أَقَرَّ عليهم لا عَلَى نَفْسِهِ؛ لأن الخَطَأَ يلزم الدِّيةَ عليهم، فإذا لم يقبل عليهم وَجَبَ ألا يقبل عليه، ويحكى (٥) هذا عن المُزَنِيَّ، والمَذْهَبُ المنقول الأوَّلُ (٦).


(١) في ز: فتحمل.
(٢) قال الحافظ في التلخيص: قال إمام الحرمين في النهاية: روى الفقهاء فذكر هذا الحديث بلفظ: لا تحمل العاقلة عبداً ولا اعترافاً، قال: وغالب ظني أن الصحيح الذي أورده أئمة الحديث: لا تحمل العاقلة عمداً ولا اعترافاً، وقال الرافعي في أواخر الباب: هذا الحديث تكلموا في ثبوته، وقال ابن الصباغ: لم يثبت متصلاً، وإنما هو موقوف على ابن عباس، انتهى. وفي جميع هذا نظر، فقد روى الدارقطني، والطبراني في مسند الشاميين من حديث عبادة بن الصامت: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تجعلوا على العاقلة من دية المعترف شيئاً"، وإسناده واه، فيه محمد بن سعيد المصلوب وهو كذاب، وفيه الحارث بن نبهان وهو منكر الحديث، وروى الدارقطني والبيهقي من حديث عمر مرفوعاً: العمد والعبد والصلح والاعتراف لا تعقلة العاقلة، وهو منقطع، وفي إسناده عبد الملك بن حسين وهو ضعيف. قال البيهقي: والمحفوظ أنه عن عامر الشعبي من قوله، وروي أيضاً عن ابن عباس: لا تحمل العاقلة عمداً ولا صلحاً ولا اعترافاً ولا ما جنى المملوك، وفي الموطإ عن الزهري: مضت السنة أن العاقلة لا تحمل شيئاً من ذلك، وروى البيهقي عن أبي الزناد عن الفقهاء من أهل المدينة نحوه.
(٣) سقط في ز.
(٤) سقط في ز.
(٥) في ز: وعلى.
(٦) ما نقله عن الإِمام قطع به من عدم الترجيح عجيب فإنه حكى التخريج في باب القسامة عن =

<<  <  ج: ص:  >  >>