للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويتحمل عنه العَاقِلَةُ، [و] فيه وجهان، ويقال: قولان:

أحدهما: أنها تجب على العَاقِلَةِ ابْتِدَاءً؛ لأن المُطَالَبَةَ عليهم دون الجَانِي، وقد يُوَجَّهُ بظاهر الأَخْبَارِ، مثل ما رُوِيَ أنَّه -صلى الله عليه وسلم-: "قَضَى على العَاقِلَةِ" (١).

والثاني: تجب على الجَانِي، والعَاقِلَة يَتَحَمَّلُونَ (٢)؛ لأن القِيَاسَ وُجُوبُ الضَّمَانِ على المُتْلِفِ، فيجري على القِيَاسِ، ونجعلهم مُتَحَمِّلِينَ كما يُؤَدَّى الدَّيْنُ عمن تَحَمَّلَ لإصْلاَحِ ذَاتِ البَيْنِ. وَيدُلُّ عليه أنَّه لو لم يكن الجَانِي ممن يَتَحَمَّلُ عنه بأن كان مُرْتَدّاً أو ذِمِّيّاً، وعاقلته حَرْبِيُّونَ تُؤْخَذُ الدِّيَة من مَالِهِ.

قال الإِمام: وليس تَرَدُّدُ القَوْلِ مَأخُوذاً من نَصِّ صاحب المَذْهَبِ، ولكنه مُتَلَقّى من تَصَارِيفِ كَلاَمِهِ في التفريعات.

فإن قلنا: تجب على العَاقِلَةِ ابتِدَاءً، لم يُؤْخَذُ من الجاني. وإن قلنا: بالتَّحَمُّلِ، فهذا تَعَذَّرَ التحمل أخذ الواجب من (٣) الأَصلِ.

وعن القاضي الحسين: القَطْعُ بأنه لا يَجِبُ على العاقلة شَيْءٌ، والظَّاهِرُ إِثْبَاتُ الخِلاَفِ، وأخذ الواجب من القَاتِلِ.

وإذا قلنا: لا يُؤخَذُ منه، ففي شَرْح "مختصر الجويني" وَجْهٌ أنَّه تجب الدِّيَةُ على جماعة المسلمين كنَفَقَةِ الفُقَرَاءِ، وهذا لمَ يذكره الأَكْثَرُونَ، لكن لو حدث في بيت المال مَالٌ، هل يُؤَدّى الواجب منه؟ فيه وجهان عن رواية القاضي الحسين وغيره:

أحدهما: لا، كما أن الفَقِيرَ من العَاقِلَةِ عند تمام الحَوْلِ لا يطالب بالغِنَى الحَادِثِ بعده.

والثاني: نعم، وليس سَبِيلُ بَيْتِ المَالِ سَبِيلَ العاقلة الخَاصَّةِ؛ لأن مَالَ المَصَالِحِ لا يَخْتَصُّ بمَصْلَحَةٍ، فلا يختص الأَدَاءُ منه بِوَقْتٍ، وهذا [معنى] (٤) قوله في الكتاب: "وقيل: يُنْتَظَرُ يَسَارُ بَيْتِ المَالِ" وربما بني على هذا الخِلاَفِ في أنَّه هل يُؤخَذُ الوَاجِبُ من الجاني، إذا لم يكن في بَيْتِ المال مَالٌ؟

إن قلنا: يؤدى من المال الحَارِثِ، فينتظر، ولا يُطَالَبُ الجاني.

وإن قلنا: لا، فَيُطَالَبُ الجَانِي تَحَرُّزًا عن الإهْدَارِ.

وإن قلنا: إذا لم يكن في بَيْتِ المال مَالٌ، يُعَزَّمُ القاتل، فالدِّيَةُ تَتَأجَّلُ عليه تَأجُّلُهَا على


(١) هو مختصر من حديث المغيرة وأبي هريرة، وقد تقدم.
(٢) في ز: فتحملون.
(٣) في ز: في.
(٤) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>