وقال أبو حَنِيْفَةَ: يسقط.
المسألة الثانية: إن كانت العَاقِلَةُ حَاضِرِينَ في بَلَدِ الجِنَايَةِ، ضربت الدِّيَةُ عليهم على تَرْتِيبِهِمُ الذي سَبَقَ، وإن كانوا غَائِبِينَ لم يستحضروا، ولا انتظر حضورهم.
لكن إن كان لهم هناك مَالٌ أُخِذَ منه، وإلا فالقَاضِي يَحْكُمُ عليهم بالدِّيَةِ على تَرْتِيبِهِمْ، ويكتب بذلك إلى قاضي بَلَدِهِمْ؛ لِيَأْخُذَهَا لأن شاء حَكَمَ بالقَتْلِ، وكتب إلى قاضي بَلَدِهِمْ ليحكم عليهم بالدِّيَةِ، ويأخذها منهم.
وإن كان بعضهم حَاضِراً، وبعضهم غَائِباً، نُظِر إن كانوا مُسْتويين في الدَّرَجَةِ؛ فَهَلْ يُقَدَّمُ من حَضَر؟
فيه قولان:
أحدهما -وبه قال مالك-: نعم؛ لاخْتِصَاصِهِمْ بقرب الدَّارِ، كما يقدم المُخْتَصُّونَ بقرب القَرَابَةِ.
وأيضاً فالنُّصْرَةُ إنما تَتَأتَّى للحاضرين، والتحمل نوع نُصْرَةِ؛ وأيضاً ففي الضَّرْبِ على الغائبين مَشَقَّةٌ، وقد يَنْقَطِعُ الطريق، فَيَتأَخَّرُ التَّحْصِيلُ أو يَتَعَذَّرُ.
وأصحهما، وبه قال أبو حنيفة، وأحمد: لا، بل تُضْرَبُ على الكل لاسْتِوَائِهِمْ في العُصُوبَةِ والميراث، وعلى هذا فالحكم كما لو كانوا جَمِيعاً حاضرين أو غَائِبِينَ.
وإذا قلنا بِتَقْدِيمِ الحاضرين، فإذا لم يكن منهم وَفَاءٌ:، فَلاَ بُدَّ من ضَرْبِ الباقي على الغائبين، والطريق كتاب القاضي كما سَبَقَ.
وإذا اختلف بِلاَدُهُم قُدَّمَ الأَقْرَبُ داراَ فالأَقْرَبُ، هكذا أَوْرَدَ القولين أكثرهم.
وفي "التتمة" نَصْبُ الخِلاَفِ في أنه هل يَجُوزُ تَخْصِيصُ الحاضرين؟ قال: والخلاف يَتَفَرَّعُ على أنه لو كَانَتِ العَاقِلَةُ كلهم حاضرين لا يَجْوزُ تَخصِيصُ بعضهم بالضَّرْبِ عليه، فإن جَوَّزْنَا، فيجوز تَخْصِيصُ الحَاضِرِينَ بلا خِلاَفٍ.
وإن كانوا مختلفين في الدَّرَجَةِ، فإن كان الحاضرون الأَقْرَبِينَ وزّعَ عليهم، فإن لم يَفِ بالواجب كتب الباقي، وإن كان الحاضرون الأَقْرَبِينَ وزع عليهم، فإن لم يَفِ بالوَاجِبِ، كتب القاضي لما بقي، وإن كان الحاضرون الأَبْعَدِينَ، وفي تَخْصِيصِ الحَاضِرِينَ طريقان:
أشبههما: طَرْدُ الخلاف؛ لأن الضَّرْبَ عليهم أَيْسَرُ، ووصول المستحق إلى حَقِّهِ أقْرَبُ، ويروى هذا عن أبي علي الطَّبَرِيَّ والصَّيْدَلاَنِيِّ، وهو الذي أوْرَدَهُ صاحب "المهذب".