للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني -وبه قال الشيخ أبو حَامِدٍ والعراقيون-: القَطْعُ بالضَّرْب على الأقربين، وإن بعدت دَارُهُم؛ لأنهم أَقْوَى عُصُوبَةً، وَأَوْلَى بِالتَّحَمُّلِ والنُّصْرَةِ.

وقوله في الكتاب: "والغائب هل يَلتَحِقُ بِالمعْدُومِ؟ فيه قولان": يقتضي طَرْدَ الخلاف فيما إذا اسْتَوَى الحَاضِرْونَ والغائبون في الدَّرَجَةِ، وفيما إذا كان الغائبون الأَقْرَبِينَ، وهو أَحَدُ الطريقين عند اختلاف الدَّرَجَةِ على ما حَكَيْنَاهُ، ثم ليس الخِلافُ في الالْتِحَاقِ بالعَدَمِ على الإِطْلاَقِ، بل في أن الحاضر (١) هل يَتَعيَّنُ الضَّرْبُ عليه أو لا؟ كما لو كان الغائب مَعدُوماً؛ لأنا وإن قَدَّمْنَا الحاضر، فإذا بَقِيَ شَيْءٌ من الواجب، نَأْخُذُهُ من الغائب، فلا يكون كالمَعْدُومِ من كُلِّ وَجْهٍ.

وقوله: "ونعني به غيبة تمنع التَّحْصِيلَ في سَنَةٍ"، يعني بالمُكَاتَبَةِ إلى القاضي والنظم. هاهنا، وفي "الوسيط" يُشْعِرُ بتخصيص الخلاف بما إذا كانت المَسَافَةُ بحيث لا يمكن التَّحْصِيلُ منها في سَنَةٍ، حتى إذا كانت دون ذلك لا يقدم الحاضر بلا خلاف.

وكَلاَمُ الشَّافعي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- والأصْحَاب لا يُسَاعد عليه؛ فإنهم فرضوا (٢) فيما إذا كان القَاتِلُ بـ"مكة"، والعاقلة بـ"الشام"، وحكوا فيه الخلاف.

الثالثة: ابتداء المُدَّةِ في دِيَةِ النفس من وقت الزُّهُوقِ، سواء قتل بِجَرَاحَةٍ مُذَفّفَةٍ، أو بِسَرَايَةٍ من قَطْعِ عُضْوٍ، أو جِرَاحَةٍ أخرى.

وقال أبو حَنِيْفَةَ: يعتبر ابتِدَاءُ المُدَّةِ من وقت حُكْم الحاكم بالدية على العَاقِلَةِ، حتى لو مَضَتْ ثلاث سنين، ثم تَرَافَعُوا [يَفْتَتِحُ] (٣) الحَاكِمُ ضَرْبَ المدة.

واحتج الأَصْحَابُ بأن الدِّيَةَ مَالٌ يَحِلُّ بانقضاء الأَجَلِ، فيكون ابتداء الأَجَلِ وَقْتَ وجوبه كَسَائِرِ الديون المُؤَجَّلَةِ. هذا ما يُوجَدُ لأئمة الأصحاب على اختلاف طَبَقَاتِهمْ.

وفي الكتاب أن ابْتِدَاءَ الحَوْلِ من وقت الرَّفْع إلى القاضي، وكذا ذكر في "الوسيط"، وعلّلَ بأن هذه مُدَّةٌ تُنَاط بالاجتهاد، وصاحب الكتَاب كالمُنْفَرِدِ بِنَقْلِ ما ذكره عن المذهب، حتى إن الإِمام سَاعَدَ الجُمْهُورَ على رِوَايَاتِهِمْ، أن المدة تُحْسَبُ من وقت المَوْتِ.

نعم قال في "البيان" بعد ما حَكَى المَذْهَبَ الظَّاهِرَ، ونسبه للعراقيين (٤)، وقال أصحابنا الخُرَاسَانيُّونَ: الابتداء من حين الرَّفْع إلى القاضي، ويمكن أن يعني به صاحب الكتاب (٥).


(١) في أ: الحاصل.
(٢) في أ: صوروا.
(٣) سقط من ز.
(٤) في ز: إلى العراقيين.
(٥) قال في الخادم: إنما أراد صاحب البيان به صاحب الإبانة، وقد ذكر ابن الرفعة أنه موجود في الإبانة ومنه أخذ الغزالي واعترضه في المهمات بأن الذي فيها موافقة الجمهور وحكاية هذا عن =

<<  <  ج: ص:  >  >>