للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الرَّافِعِيُّ: الفصل الثاني: إذا جَنَتِ المُسْتَوْلَدَة على نَفْس، أو مال، وَجَبَ على السيد فِدَاؤُهَا؛ لأنه بالاسْتِيلاَدِ مَانِعٌ من بَيْعِهَا مع بَقَاءِ الرِّقِّ فيها، فأَشْبَهَ ما إذا جَنَى القِنُّ، فلم يسلمه لِلْبَيْعِ.

وقال الإِمام: السَّيِّدُ بالاستيلاد مُسْتَمْتعٌ بحَقِّهِ مُتَصَرِّفٌ في مِلْكِهِ، فجعله ملتزماً لِلْفِدَاءِ بِجِنَايَةٍ تحدث من بعد فيه غُمُوضٌ، ولكنهَ مُتَّفقٌ عليه من الأَصْحَابِ، وبم يَفْدِيهَا؟ فيه طريقان:

أحدهما: طَرْدُ القولين المذكورين في القِنِّ.

وأصحهما: القَطْعُ بأنه يَفْدِيهَا بالأقل من قِيمَتِهَا، وأَرْشِ (١) الجِنَايَةِ، والفَرْقُ أن القِنَّ قَابِلٌ للبيع، وقد يُوجَدُ رَاغِبٌ بالزِّيَادَةِ، والمُسْتَوْلَدَةُ غير قَابِلَةٍ للبيع.

وفي القيمة المُعْتَبرةِ وَجْهَانِ عن الشيخ أبي عَلِيٍّ أن الاعْتِبَارَ بقيمة يَوْمِ الاسْتِيلاَدِ؛ لأن السيد بالاسْتِيلاَدِ صار مَانِعاً، وأظهرهما، وهو الذي أورده (٢) الشيخ أبو مُحَمَّدٍ: أن الاعْتِبَارَ بقيمة يوم الإِتْلَافِ، ولا نَظَرَ إلى ما قَبْلَهُ، ولا نقول: إنه مَانِعٌ يوم الاسْتِيلاَدِ، ولكنه بالاستيلاد يصير مَانِعاً من البَيْعِ وقت الحَاجَةِ إليه، وهو يوم الإِتْلاَفِ.

وإذا جنت (٣) المُسْتَوْلَدَة جِنَايَتَيْنِ فَصَاعداً، فإن أَثْبَتْنَا القَوْلَ القديم، وقلنا: إن المُسْتَوْلَدَةَ تُفْدَى بأرْشِ الجِنَايَةِ، فعلى السيد أن يَفْدِيَهَا بأُرُوشِ الجِنَايَاتِ بَالِغَةً ما بَلَغَتْ.

وإن فرَّعْنَا على الصحيح، وقلنا: إن الوَاجِبَ أَقَلُّ الأَمْرَيْنِ، فإن كان أَرْشُ الجناية


(١) قال الشيخ البلقيني: إنما يجيء الطريقان في مستولدة لا تباع فإن كانت تباع بأن استولد جاريته المرهونة وكان يبيض الشيخ لكنه ذكر بقية هذا في تصحيح المنهاج فقال ما نصه: فأما أم ولد تباع لأنه استولدها وهي مرهونة الرَّهْن اللازم وهو معسر إذا جنت جناية توجب مالاً متعلقاً بالرقبة فإنه يقدم حق المجني عليه على حق المرتهن فإذا قال الراهن أنا أفديها على صورة لا يكون بها موسراً يساراً ينفذ فيه الاستيلاد في حق المرتهن فإنه إذ ذاك يأتي القولان قطعاً وإن لم يذكروا ذلك لأنه حينئذ يكون بفدائها مانعاً للمجني عليه من بيعها فتصير العبد القن فهذا أفداها استمرت مرهونة ثم إن وفي الدين من غيرها فحينئذ ينفذ الاستيلاد على المذهب وإن بيعت في الدين استمر عليها حكم القن في حق من يشتريها ثم إن عادت للراهن فإنه ينفذ الاستيلاد على الأظهر، فهذا جنت أم الولد هذه في حال كونها مرهونة جناية ثم جناية أخرى وهي مرهونة فلا تقول جنايتاها كواحدة لأنه يمكن بيعها بل هذه كالقن يجني جناية ثم أخرى قبل الفداء فينقطع فيه بأن السيد إما أن يسلمها لتباع في الجنايتين وإما أن يفديها بأقل الأمرين من قيمتها وأرش الجنايتين على ما تقدم في القن.
ثم قال: ويجوز أن لا يفصل ويطلق في المسألة ثلاثة أقوال، واعلم أن الشَّافعي نص في الأم على القن في باب الجناية على أم الولد بعد أبواب القسامة ونقل الربيع عن الشَّافعي ما يقتضي ترجيح لزوم الفداء لكل جناية وهو الذي اختاره البغوي في تعليقه في تخلل الفداء.
(٢) في ز: رضيه.
(٣) في ز: وإذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>