للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: الانْفِصَالُ، فلو ماتت الأُمُّ، فلم ينفصل جَنِينٌ، لم يجب على الضَّارِب شيء؛ لأنا لا نَتَيقَّنُ وُجُوبَ الجَنِينِ، فلا نُوجِبُ شيئاً بالشَّكِّ.

وكذا لو كانت المرأة مُنْتَفِخَةَ البَطْنِ، فضربها ضَارِبٌ، فزال الانْتِفَاخ أو كانت تَجدُ حَرَكَةً في بَطْنِهَا، فانقطعت الحَرَكَةُ؛ لجواز أنه كان رِيحاً، فانْفَشَّتْ (١)، ثم المعتبر (٢) انْكِشَافُ الجنين أو الانْفِصَالُ التَّامِّ ذكروا فيه وجهين:

أصحهما: أن المُعْتَبَرَ (٣) الانْكِشَافُ وظُهُورُ شَيْءٍ منه؛ لأن المَقْصُودَ أن يتحقق وجوده.

والثاني -وبه قالي مَالِكٌ، ويحكى عن القَفَّالِ-: أن المُعْتَبَرَ الانْفِصَالُ التام؛ ليستقل، وما لم يَنْفَصِل كان كالعُضُوِ من الأُمِّ، ويستشهد له بأن انْقِضَاءَ العِدَّةِ، ووقوع الطَّلاَقِ بالوِلاَدَةِ وسائر الأحكام لا يتَعَلَّقُ بخروج بعض الوَلَدِ، بل بالانْفِصَالِ التام، فكذلك هاهنا.

وَيتَفَرَّعُ على الوجهين ما إذا ضَرَبَ بَطْنَهَا، فخرج رَأْسُ الجنين مَثَلاً، وماتت الأُمُّ كذلك، ولم ينفصل أو خَرَج رَأْسُهُ، ثم جَنَى عليها، فماتت، فعلى الأَصَحِّ تجب الغُرَّةُ لِتَيَقُّنِ وُجُودِهِ، وعلى الثاني لا تجب لِعَدَمِ الانْفِصَالِ.

ولو قُدَّتْ نِصْفَيْنِ (٤)، وشوهد الجَنِينُ في بَطْنِهَا، ولم ينفصل، ففيه هذا الخلاف.

ولو خرج رَأْسُ الجنين، وصاح فَخَرَّ حَازُّ رَقَبَتَهُ، فإن اعتبرنا العِلْمَ بحصول الجَنِينِ، وجب القِصَاصُ، أو كَمَالُ الدية؛ لأنا تَيَقَّنَّا بخروج الرأس وُجُودَهُ، وبالصياح حَيَاتَهُ. وإن اعتبرنا الانْفِصَالَ، لم نوجب القِصَاصَ ولا الدِّيَةَ.

ولو صَاحَ ومات، فَوُجُوبُ الدِّيَةِ على الخلاف (٥).

والثالث: كون المُنْفَصِلِ مَيِّتاً، فلو انْفَصَلَ حَيّاً، نُظِرَ إن بقي زَمَاناً سَالِماً غير مُتَأَلِّمٍ، ثم مات، فلا ضَمَانَ على الضَّارِبِ؛ لأن الظَّاهِرَ أنه مَاتَ بسبب آخر.

وإن مات كما خَرَجَ، أو كان مُتَألِّماً إلى أن مات، وَجَبَ فيه الدِّيَةُ الكاملة؛ لأنا تَيَقَّنَّا حَيَاتَهُ، وقد هَلَكَ بالجناية، فَأَشْبَهَ سَائِرَ الأحْيَاءِ، ولا فرْقَ بين أن يستهلَّ أو لا يستهلَّ، ولكن وجده ما يَدُلُّ على حياته كالتَّنَفسِ وامْتِصَاصِ اللَّبَنِ، والحَرَكَةِ القوية


(١) في أ: فانفش.
(٢) في ز: المعيار.
(٣) في ز: المعيار.
(٤) في أم: النصفين.
(٥) وصورته أن يضرب بطن الأم فيستهل الجنين فيصيح ثم يموت، ووجوب الدية هنا وثبوت الإرث له ظاهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>