للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو جَنَى عليها أَحَدُ الشريكين، فألْقَتْ جَنِيناً مَيتاً، فعليه نِصْفُ عشر قيمة الأم للآخر، ويُهْدَرُ نَصِيبُهُ، ولو أنه أَعْتَقَهَا بعد ما جَنَى، ثم ألقت جنيناً، نظر: إن كان مُعْسِراً، ووقف العتق على نصيبه من الأُمِّ والجنين، فعليه نِصْفُ عُشْرِ قيمة الأم لشريكه، وهل يَلْزَمُهُ نِصْفُ الغُرَّةِ للنصف الحر؟

فيه وجهان:

قال ابْنُ الحدَّادِ: لا؛ لأن وَقْتَ الجِنَايَةِ كان مِلْكاً له، وجِنَايَةُ الإنسان على مِلْكِهِ لا تُوجب ضَمَاناً. وقال آخرون: نعم، وحكوه عن نَصِّهِ في "الأم"؛ لأن الجِنَايَةَ على الجنين إنما تَتَحَقَّقُ عند الإِلْقَاءِ، وهو حُرٌّ حينئذ. والخِلاَفُ مَبْنِيٌّ على طريقين ذِكْراً في أن المُوجِبَ لِلضَّمَانِ هو الضرب، أو الإِجْهَاضُ:

أحدهما: أن المُوجِبَ الضَّرْبُ؛ لأنه يُؤَثِّرُ في الجَنِينِ، أَلاَ تَرَى أنه يُرَى أَثَرُهُ عليه عند الإِجْهَاضِ، والانْفِصَالُ هو نهاية الجِنَايَةِ؟ فكان الضَّرْبُ كَقَطْعِ اليَدِ نحوه، والإِجْهَاضُ كالسِّرَايَةِ.

والثاني: أن المُوجِبَ الإجْهَاضُ؛ لأن الرَّحَمِ مَحِلُّ نَشْئِ الطِّفْلِ وتَرْبيته، وسبب الهَلاَكِ مُفَارَقَتُهُ دون الضَّرْب، لكن الضرب لما فيه من الإيلاَمِ يفضي إلى المُفَارَقَةِ، فيكون الاعْتِبَارُ بوقت المُفَاَرَقَةِ، وهذا كَحَفْرِ البئر في الطريق مَع التَّرَدِّي، فإن الحَفْرَ سَبَبُ مُفَارَقَةِ موضع السَّلَامَةِ، والتَّرَدِّي هو المُوجِبُ لِلهِلاَكِ، فكان الاعْتِبَارُ بوقت التَّرَدِّي. فإن قلنا: الموجب الضَّرْبُ، فهو مَمْلِوكٌ له حينئذ.

وإن قلنا: المُوجِبُ الإجْهَاضُ، فيجب. واعلم أن كَلَامُ أكثر الناقلين للمسألة يَمِيلُ إلى وجوب نِصفِ الغُرَّةِ، كَما حكى عن النص، وهو النص الذي نَقَلْنَاهُ عن "عُيُونِ المسائل" في فصل تَغَيُّرِ الحال بين الجُرْحِ والمَوْتِ.

والأوْلَى بالترجِيح ما رَجَّحَهُ الشيخ أبو عَلِيٍّ وجماعة (١)، وهو أنه لا يَجِبُ نِصْفُ الغُرَّةِ، وأن المُوجِبَ الضَّرْبُ، لِتَاْثِيرِهِ في الجَنِينِ، كتأثير القَطْعِ في البَدَنِ، بخلاف الحَفْرِ الذي لا يُؤَثِّرُ في البَدَنِ.

وإذا قيل بِوُجُوبِ نِصفِ الغُرَّةِ، فلمن يكون ذلك؟

يبني على الخِلاَفِ في أن من بعضه حُرٌّ، وبعضه رَقِيقٌ، هل يورث؟ (٢)

إن قلنا: نعم، فهو لِوَرَثَتِهِ، ولا تَرِث الأمُّ منه شيئاً؛ لأن بَعْضَهَا رَقِيقٌ، ولا السيد؛ لأنه قَاتِلٌ.


(١) في ز: في سماعه.
(٢) في ز: يرث.

<<  <  ج: ص:  >  >>