للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن الأصحاب من يُؤَخّرُ البَابَ إلى كتاب الدَّعَاوَى (١)، وعليه جَرَى الشيخ أبو إِسْحَاقَ الشيرازي -رحمه الله- فاعتبر فيه.

إذا عرف ذلك، فالأَمْرُ الأول: الدَّعوَى، والمعتبر (٢) في الدعوى خمسة شروط:

أحدها: تَعْيِينِ المُدَّعَى عليه بأن ادُّعِىَ القَتْلُ على وَاحِدٍ، أو على جماعة مُعَيَّنينَ، فهي مَسمُوعَةُ، وإذا طلبهم للقاضي، وطلب إحضارهم أَجابَهُ، إلا إذا ذَكَرَ جَماعَةً لا يُتصَوَّرُ اجْتِمْاعُهُم على القَتْلِ، فلا يحضرون، ولا يُبَالَي بقوله: فإنه دَعْوَى مُحَالٍ.

وإن قال: قَتَلَ أبِي أَحَدُ هَذَيْنِ أو وَاحِدٌ من هؤلاء العشرة وطلب من القاضي أن يسألهم، ويُحَلِّفَ كُلّ واحد منهم فهل يُجِيبُهُ؟ فيه وجهان:

أحدهما: لا؛ لما في هذه الدَّعْوَى من الإِبْهَامِ، وصار كما لو ادَّعى دَيْنًا على أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ.

والثاني: نعم؛ لأنه طَرِيقٌ يُتَوَصَّلُ به إلى مَعْرِفَةِ القاتِلِ واسْتِيفَاءِ الحَقِّ منه.

ولأن القَاتِلَ يسعى في إِخْفَاءِ القَتْلِ كي لا يقصد، ولا يطالب، وتَعْسَرُ مَعْرِفَتُهُ على الوَلِيِّ لذلك. فلو لم تُسْمَعْ دَعْوَاهُ هكذا لَتَضَرَّرَ، وهم لا يَتَضَرَّرُونَ باليمين الصَّادِقَةِ، والأَصَحُّ من الوجهين على ما ذكر صاحب "التهذيب" الأول، ولم يورِدُ جماعة من الأصحاب غَيْرَهُ. وذكر في الكتاب أن الصَّحِيحَ أنه يُجَابُ إليه، ولم يذكر ذلك في "الوسيط"، بل سَكَتَ عن الترجيح.

ويجري الخِلاَفُ في دعوى الغَصْبِ، والإتْلاَفِ، والسَّرِقَةِ، وأخذ الضَّالَّةِ على أحد الرجلين أو الثلاثة، ولا يَجْرِي في دعوى القَرْضِ، والبيع، وسائر المعاملات؛ لأنها تَنْشَأُ باختيار المُتَعَاقِدَيْنِ، وحَقُّها أن يضبط كل واحد من المُتَعاقِدَيْنِ صاحبه، هذا هو الأَظْهَرُ، وفيه طريقان آخران:

أحدهما: إجراء الخِلاَفِ في المُعامَلاَتِ أيضًا؛ [لأن] الإنسان عُرْضَةُ النِّسْيَانِ، وهم لا يَتَضَرَّرُونَ باليمين. والثاني: قَصْرُهُ على دَعْوَى الدَّمِ لِعِظَمِ خَطَرِهِ.

وقوله: "قتل أَبِي أَحَدُ هؤلاء العشرة"، تَصْوِيرٌ فيما إذا كان القوم حاضِرِينَ، فإن لم يكونوا حاضرين، والتمس إحضارهم فهل يجاب؟ فيه الوجهان، ولو ذكر أنه قتله أحدهم، ولم يطلب إحضار جميعهم؛ ليسألوا، ويُعْرَض عليهم اليَمِينُ، فلا يحضرهم القاضي، ولا يُبَالِي بكلامه؛ لأن القاضي يعمل بِحَسَبِ طَلَبِ المُسْتَحِقِّ، ذكره في "التتمة"، وذكر أن الوَجْهَيْنِ فيما إذا تَعَلَّقَتِ الدَّعوَى بِوَاحِدٍ من جماعة مَحْصُورِينَ.


(١) في ز: الدعوى.
(٢) في ز: واعتبر.

<<  <  ج: ص:  >  >>