للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المزنيُّ، أنه لا يقسم، ونقل الربيع أنه يقسم، وذكر الأصحاب طريقَيْن:

أشهرهما: أن في بطلان أصْل الدعوَى قولَيْن:

أحدهما: أنه يبطل، فلا يقسم، ولا يلتفت إلى قوله؛ لأن في دعْوى العمد به اعترافًا ببراءة العاقلة، فلا يتمكَّن من مطالبتهم آخرًا، ولأنَّ في دعوى العمْد به اعترافًا بأنّه ليس بمخطئ، فلا يمكنه الرجوع عنه

وأصحُّهما: المنع؛ لأنه قد يَظُنُّ ما ليس بعمْد عمْدًا، فيتبيَّن بتفسيره أنه مخطئ في اعتقاده وأيضًا، فقد يكْذِب في الوصف، وَيصْدُق في الأصل، وعلى هذا، فيُعْتمد على تفسيره، ويمضي حكمه.

والثاني: القطْع بالقول الثاني، وتأويل ما نقله المزنيُّ على أنه لا يقسم على ما ذكره أولاً، ويجري الطريقان فيما لو ادَّعَى الخطأ، وفسَّره بما هو عمْد، ولو ادعَى شبْه عمد، ثم فسَّره بما هو خطأ محْضٌ، وقلْنا: هناك بطريقة القولَيْن، فمنهم مَنْ أجراهما هاهنا، ومنْهم من قَطَع بأنه لا يُبْطِل الدعْوى؛ لأن قوله الأول يَقْتَضي زيادةً على العاقلة، ومن ادعَى زيادة، ثم رجع إلى قدْر الحقِّ لا تبطل دعواه فيه.

ويجوز أن يُعْلم؛ للطريقة القاطعة قوله في الكتاب: "عَلَى أصحِّ الوجْهَيْن" بالواو، والتعبيرُ عن الخلاف بالوجهَيْن خلافُ المشهورِ.

الثانية: لو ادَّعى القتلَ، وأخذ المال، ثم قال: ظلمتُه بأخذ هذا المال أو أخذتُه باطلاً، أو ما أخذتُهُ حرامٌ لي، سُئِلَ عنه، فإن قال: كذَبْتُ في الدعْوَى وما هو بقاتل، اسْتُرِدَّ منه ما أخَذَ، وإن قال: أردتُّ أني حنفيٌّ، لا أرى أخْذ المال بيمين المدَّعي عَلَى ما سنَحْكِي مذهب أبي حنيفة لم يُسْتَرَدَّ؛ لأن النظرَ إلى رأي الحاكم واجتهادِهِ لا إلى مذْهب الخصمَيْن واعتقادهما وذكروا للصورة نظائرَ:

منها: ما إذا ماتَ إنسان، فقال ابنه: لسْتُ أرثه؛ لأنه كان كافرًا، فاستُفْصِل عن كُفْره، فقال: كان معتزليًا أو رافضيًا، فيقال له: لك ميراثه وأنْتَ مخطئٌ في ظنِّك، والاعتزالُ والرفض ليس بكفْرِ، هكذا حكى القفَّال، وعليه جَرَى القاضي الرويانيُّ وصاحب "التهذيب" وغيرهما، قال الفورانيُّ: مِنْ مشايخنا مَنْ يقول بتكفير أهْل الأهواء، فعلى قوْل مَنْ قال به؛ يَحْرُمُ الميراث (١).

ومنها: إذا قضى الحنفيُّ للشافعيِّ بشفعة الجار، فأخذ الشِّقْصَ، ثم قال: أخذتُه


(١) قال النووي في زياداته: هذا الوجه خطأ، والصواب المنصوص، والذي قطع به الجمهور: أنَّا لا نكفرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>