للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومسألة ثالثة: وهي دعْوى القَتْل على العبْد، قال في "التهذيب": إن كان هناك لوْثٌ، فتُسْمع، ويقسم المُدَّعي، ويقتص إن ادَّعى قتل عمد، وأوجبنا القِصَاصَ بالقسامة، وإلاَّ، إذا كان يَدَّعِي قتل خطأ، فتتعلَّق الدية برقية العبد، وإن لم يكن لوْثٌ، فدعوى القتل الموجِب للقِصاص تكونُ على العبد، ودعْوى القتْل الموجب للمَال تكون على السيد، وتمام المسألة يأتي في "باب الدعاوَى والبَيِّنَات".

وقوله في الكتاب "صح" أي صحت الدعوى عليه.

وقوله: "على الصحيح" يمكن ردُّه من جهة اللفْظ إلى قوله "صح" لأجل إنكاره؛ ويوافق ذلك قول "مَنْ أطلَقَ الخِلافَ في سماع الدعْوَى"، ويلزم منه [بيانُ] (١) إجراءِ الخلافِ في سماع البيِّنة، والذي يوافِقُ نظم "الوسيط" وما حكَيْناه عن الأصحاب أن يعلَّق قوله "على الصحيح" بقوله "وتُعْرَض اليمين عليه"، لا بما قبله [والله أعلم].

قال الغَزَالِيُّ: الخَامِسُ ألاَّ تَتَنَاقَضُ دَعْوَاهُ فَإنْ ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ أَنَّهُ مُنْفَرِدٌ بِالقَتْلِ ثُمَّ ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِ الشَّرِكَةَ لَمْ تُسْمَعُ الدَّعْوَى الثَّانِيَةُ لِأَنَّ الأُولَى تكَذِّبُهُ، فَلَوْ صَدَّقَهُ المُدَّعَى عَلَيْهِ ثانِيًا كَانَ لَهُ المُؤَاخَدَةُ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّ الحَقَّ لا يَعْدُوهُما، وَلَوِ اسْتَفْصَلَ في العَمْدِ فَفَصَلَهُ بِمَا لَيْسَ بِعَمْدٍ لَمْ تُبطِلْ دَعْوَاهُ أَصْلَ القَتْلِ عَلَى أَصَحِّ الوَجْهَيْنِ، وَلَوْ قَالَ: ظَلَمْتُهُ بِأَخْذِ المَالِ وَفسِّرَ بِأنَّهُ كَذَبَ فِي الدَّعْوَى اسْتُرِدَّ، وَلَوْ فُسِّرَ بأَنَّهُ حَنَفِيُّ لا يَرَى القَسَامَةَ وَقَدْ أَخَذَ بِهَا لَمْ يُسْتَرِدُّ لِأَنَّ النَّظَرَ إِلَى رَأْيِ الحَاكِمِ لاَ إِلَى الخِصْمَيْنِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: ومن شروط الدعوى سلامتها عما يناقضها وُيكَذِّبها، فلو ادَّعَى على شخْص أنه منفردٌ بالقتل، ثم ادعَى على آخر أنَّه شريك في القَتْل، أو منفردٌ به، لم تُسْمع دعواه (٢) الثانية؛ لأن الأُوْلَى تكذِّبها، وتناقضُها، ولو لم يقسم على الأُولَى، ولم يمض حكْمٌ، فلا يُمكَّن من العَوْد إليها أيضًا؛ لأن الثانية تكذبها، ولو أن الثانيَ صدَّقه في دعواه الثانيةَ، فوجهان:

أحدهما: أنه ليس له أن يؤاخِذَه بموجب تصديقه لأن في الدعْوى الأُولَى اعترافًا ببراءة غير المدَّعَى عليه.

وأصحَّهما: أن له المؤاخذة؛ لأن الحقَّ لا يعدوهما، ويحتمل أن يكون كاذبًا في الدعوى الأُولَى قصْدًا أو غَلَظًا، صادقًا في الثانية. ثم في الفصْل صورتان:

إحداهما: لو ادعَى قتلاً عمدًا، فاستُفْصِلَ، ففصَّله، ووصَف ما ليس بعمد، نقل


(١) سقط في ز.
(٢) في ز: الدعوى.

<<  <  ج: ص:  >  >>