للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الغَزَالِيُّ: الثَّالِثُ أَنْ يَدَّعِيَ الجَانِي كَوْنَهُ غَائِبًا فَإذَا حَلَفَ سَقَطَ بِيَمِينِهِ أَثْرَ اللَّوْثِ، فَإنْ أَقَامَ عَلَى الغَيْبَةِ بِيِّنَةً بَعْدَ الحُكْمِ بِالقَسَامَةِ نُقِضَ الحُكْمُ، وَلَوْ كَانَ وَقْتَ القَتْلِ مَحْبُوساً أوْ مَرِيضاً وَلَمْ يُمْكِنْ كَوْنُهُ قَاتِلاً إِلاَّ عَلَى بُعْدٍ فَفِي سُقُوطِ اللَّوْثِ بِهِ وَجْهَانِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا أنكر المُدَّعى عليه اللَّوْث في حقِّه بأن قال: لم أكنْ مع القوم الَّذين تفرَّقوا عن هذا القتيل، أو لسْتُ الرجُلَ الذي وُجِد على رأْسه، وفي يده السكِّينَ المتضمخ بالدم أو لَسْت الذي رُئي من بعيد يضربه فعلى المدَّعِي البينةُ على قيام الأمارة التي يدَّعيها، فإن لم تكن بيِّنةٌ، حلف المدَّعَى عليه على نفْيها، وسقَط اللَّوْث، ويبقَى مجرَّد الدعْوَى.

ولو قال: كنت غائباً يوم القتل أو ادَّعَى على جمع، فقال أحدهم: كنتُ غائباً، فيصدَّق بيمينه؛ لأن الأصل براءةُ ذمته، وعلى المدَّعِي البينةُ على حضوره يومئذ، أو على إقراره بالحضور، فإن أقام المدَّعِي بينةً على حضوره، والمدَّعَى عليه بينةً على الغَيْبَة، ففي "الوسيط" أنهما يتساقَطَانِ، وقال في "التهذيب": بينة الغيبة مقدَّمة؛ لأنَّ معها زيادةُ عِلْمٍ، وهذا عند الاتفاق على أنه كان حاضراً منْ قَبْل، ويُعْتبر في بينة الغيبة أن يقولوا: إنه كان غائباً إلى مَوْضع كذا، أما لو اقتصروا على أنه لم يَكُنْ ههنا، فهذا نفْىٌ محضٌ لا تسمع الشهادة به (١).

ولو أقسم المدَّعِي، وحكم الحاكم بموجِب القسامة، ثم أقام المدَّعَى عليه البينةَ على غيبته يوم القتل، أو أَقَرَّ المُدَّعِي نقض الحُكْم، واسترد المال، وكذا لو قامتِ البينةُ على أن القاتلَ غيْرُهُ، ولو قال الشهود: لم يقتلْه هذا، واقتصروا عليه، لم تُقْبَل شهادتُهم، ولو كان محبوساً (٢) أو مريضًا يوم القتل، فهل هما كالغيبة، حتى يَسْقُط اللوْث، إذا ثبت الحالُ بالبينة أو بإقرارِ المدَّعي؟ فيه وجهان، وموضع الوجهين ما إذا أمكَنَ أن يكونَ قاتلاً، لكن بضرب حيلة وتصوير بعيد، وبالمعنيَيْنِ يوجَّه الوجهان، والأشبه إلحاقُهما بالغيبة لانخرام الظن بالقتل.

وقوله "أن يدعي الجاني" يعني المدَّعَى عليه سمَّاه جانياً؛ لأنه تُدَّعَى عليه الجناية، ويجعل (٣) في محل الجَانِينَ (٤).

قال الغَزَالِيُّ: الرَّابعُ: لَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ بِأَنَّ فُلاناً قَتَلَ أَحَدَ هَذَيْنِ القَتِيلَيْنِ لَمْ يَكُنْ لَوْثاً، وَلَوْ قَالَ: قَتَلَ هَذَا القَتِيلَ أَحَدُ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ فَهُوَ لَوْثٌ لأَنَّ تَعْيِينُ القَاتِلِ يَعْسُرُ، وَقِيلَ: لا لَوْثَ فِي المَوْضِعَيْنِ.


(١) في ز: عليه.
(٢) في أ: مريضًا أو محبوساً.
(٣) في ز: ويدعي.
(٤) في ز: الجنابيين.

<<  <  ج: ص:  >  >>