للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا شهِدَ شاهدٌ أو شاهدان؛ بأنَّ فلاناً قتَلَ أحدَ هذَيْنِ القتيلين، لم يكن لوثاً؛ لأن ذلك لا يوقع في القَلْب صدْق وليِّ أحدهما، إذا ادَّعَى القتل عليه، ولو شهِدَ أو شهدا في القتيل الواحد؛ بأنه قتله أحدُ هذَيْنِ الرجلَيْنِ، ثبَتَ اللوْث في حقِّهما، حتى إذا عيَّن الوليُّ أحدهما، وادَّعَى عليه، كان له أن يُقْسِم كما لو تفرَّق اثنان أو جماعةٌ عن قتيل على التصويرات التي سبقت، وفيه وجْه أنه لا لوْثَ في الصورة الثانية أيضًا، للإبهام (١) كما في الأولَى، والظاهر الفرْق، ويُحْكَى ذلك عن القاضي الحُسَيْن.

وقوله "لأن تعيين القاِتل يعسر" (٢) معناه أن القاتِلَ يُخْفِي القتْل ما أمكنه دفْعاً للمحْذُور عن نفْسه فيعسر تعيينه، وإن ظن القتل بأحد الشخصين أو الجماعةِ، والقَتيلُ بخلافه، وعَدُّ المسألةِ من المسقطاتِ ليس بواضح أيضًا؛ فإنَّ الكلام في أنه هل هُوَ لوث أم لا؟

قال الغَزَالِيُّ: الخَامِسُ تَكْذِيبُ أَحَدِ الوَرَثَةِ هَلْ يُعَارِضُ اللَّوْثَ؟ فِيهِ قَوْلاَنِ، فَإِنْ قُلْنَا: يُبْطِلُ فَلَوْ قَالَ أحَدُهُمَا: قتَلَ أبَانَا زَيْدٌ وَرَجُلٌ آخَرُ لاَ أَعْرِفُهُ وَقَالَ الآخَرُ: قَتَلَهُ عَمْروٌ وَرَجُلٌ آخَرُ لاَ أَعْرِفُهُ فَلاَ يَتَكَاذَبُ فَلَعَلَّ مَا جَهَلَهُ هَذَا عَلِمَهُ ذَاكَ، ثُمَّ مُعَيَّنُ زَيدٍ مُعْتَرِفٌ بِأَنَّ عَلَيْهِ نِصْفَ الدِّيَةِ وَحِصَّتُهُ مِنْهَا الرُّبُعُ فَلا يُطَالَبُ إلاَّ بِالرُّبُعِ، وَكَذَا مُدَّعِي عَمْرو.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا كان للَّذي هلَك وارثان كابنَيْنِ أو أخَوَيْن، فقال أحدُهما: قتل مورِّثَنا فلانٌ، وقد ظهر عليه اللَّوْث، وقال الآخر: إنه لم يقتلْه بل كان غائباً يوم القتل، وإنما قتلَه فلانٌ أو اقتَصَرَ على نفْي القتل عنه، أو قال: إنه [برأ] من الجراحة، ومات حتف أنْفِه، فهل يُبْطِل تكذيبُه اللوْثَ، ويُمْنَع الأوَّلُ من القسامة؟ فيه قولان منصُوصان في "المختصر".

أحدهما، وهو اختيار المزنيِّ: لا، كما أن في سائر الدعاوَى لا يسقط تكذيب أحدِ الوارثين حقَّ الثاني، وأيضًا، فإن اللوْث دلالةٌ بنقل اليمين إلى جنبة المدعي، فتكذيب أحد الوارثين لا يمنع الآخر من اليمين، كما لو ادعَى أحد الوارثين دَيْناً للمورِّث، وأقام عليه شاهداً واحدًا، وكذَّبه الثاني لا يمنعه التكذيبُ من أن يحْلِف مع شاهده، وأيضًا، فلو كان أحد الوارثين صغِيراً أو غائباً، كان للبالغ الحاضرِ أن يُقْسِم مع احتمال التكذيبِ من الثاني، إذا بلغَ أو قَدِم.

والثاني: أنه يُبْطِل اللوْثَ؛ لأن إنكار الثاني يَدُلُّ على أنه ليس بقاتِلٍ، فإن النفوس مجبولةٌ على الانتقام من قاتل المورِّث، وإذا انخرم ظنُّ القتل، بَطَلت القسامة، والأصح


(١) في ز: لإبهام.
(٢) في ز: يعتبر.

<<  <  ج: ص:  >  >>