للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من القولين عند صاحب "التهذيب": الأول، وكلام العراقيين وغيرِهِمْ يميل إلى ترجح (١) الثاني، وَفرَّقوا بين الشاهد واليمين، وبين ما نحْنُ فيه؛ بأن شهادة الشاهدِ محقَّقة، وإن كذب الآخر، وهي حجَّة في نفسها، واللوث ليس بحجَّة، وإنما هو ظنٌّ مرجِّح، وتكذيبه يُبْطِل ذلك الظنَّ، وفيما إذا كان أحدُهما صغيراً أو غائباً، لم يوجد التكذيبُ الجازم للظنِّ، كما إذا ادعَى أحدهما، ولم يساعد الآخرُ، ولم يكذِّب، كان للمدعي أن يُقْسِم، وفي موضع القولَيْن طريقان:

أحدهما: أن القولَيْن فيما إذا كان المكذِّب عدْلاً، أما إذا كان فاسقًا، فقوله غير معتبر في الشرع، فلا تتعطل (٢) به القسامة.

وأصحُّهما: أنه لا فرق، فإن قول الفاسق فيما يُسْقِط حقَّه مقبولٌ؛ لانتفاء التهمة، ويُحْكَى هذا عن نصه -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- في "الأم" فإن قلْنا: لا يبطل اللوث، فللمدعِي أن يُقْسِم ويأخذ حقَّه من الدية، وهو النصف، ولا بد، وأن يحلف خمْسِين يمينًا، فإن أيمان القسامة ما لم تَتِمَّ لا يؤخذ بها شيء، ولا يخرج على الخلاف فيما إذا اتفق الورثة على الدعوَى أن الأيْمان توزَّع أو يحْلِف كلُّ واحد منهم خمسين، وإذا قال أحد الابنين: قتَلَ أبانا زيْدٌ، وقال الآخر: بل عمْرو، وقلنا: لا يبطل اللوثُ بالتكاذب، فيُقْسِم كلُّ واحد منهما على مَنْ عيَّنه، ويأخذ نصْف الدية، وإن قلَّنا: يُبْطِل، فلا قسامة، وكلُّ واحد منهما، يُحلِّف منْ عيَّنه، ولو قال أحد الابنين: قتل أبانا زيْدٌ ورجلٌ آخرُ لا أعرفه، وقال الآخر: قتله عمرو ورجل آخر لا أعرفه، فلا تكاذُبَ منهما؛ لاحتمال أن الذي أبهَمَ هذا، ذكره هو، الذي عيَّنَه الآخر، وكذلكَ بالعَكْس، فلكَلَّ واحدٍ أن يقسم على مَنْ عيَّنه، ويأخذ منْه ربْعَ الديةِ؛ لاعترافه بأن الواجبَ على مَنْ عيَّنه نِصْفُ الدية، وحصَّته منه نصْفُه، ثم إن عاد أو قال كلُّ واحد منهما: قد تبين لي أن الذي أَبهَمتُ ذكْرَه هو الذي عيَّنه الآخر (٣)، فلكلِّ واحدٍ منهما أن يُقْسِم على الآخر، ويأخذ منْه ربُعَ الدية، ويَحْلِفَ خمسين يميناً أو خمْسًا وعشرين؟ فيه خلافٌ يأتي [في] (٤) نظائره، وإن قال كل واحد منهما: الذي أتهمتُ ذكْرَه ليس الذي عيَّنه أخِي، حصَل التكاذُبُ، فإن قلَّنا: تبطل القسامة، ردَّ كلُّ واحد ما أخَذَ بها، وإلاَّ، أقسم كلُّ واحدٍ منهما على مَنْ عيَّنه ثانيًا، وأخَذَ منْه رُبُعَ الدية، ولو قال الذي عَيَّن زيدًا تبين إلى أن الذي أبهمت ذكْره عمرو الذي عيَّنه أخي، وقال الذي عين عمْراً تبين لي أن الذي أبهمتُ ذكْره رجُلٌ آخر لا زيد فالذي عيَّن عمرًا لم يكذبه أخوه، فله أن يُقْسِم على


(١) في ز: ترجح.
(٢) في ز: يبطل.
(٣) في ز: أخي.
(٤) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>