قَالَ الرَّافِعِيُّ: سيأتي في "كتاب الشهادات" بتيسير الله -تعالى- أنَّ مِنْ شروطِ الشهودِ الانفكاكَ عن التهمة، وأن مِنْ أسباب التُّهمة أن يَجُرَّ بالشهادة نفْعاً إلى نفْسه أو يدْفع ضرراً، وأنَّ مِنْ صوَر الْجَرِّ أنْ يشهدَ على جَرْح مُوَرِّثه، وفيه مسائل:
إحداها: إذا ادعَى على إنسان أنه جرَحَه، وشهد للمدَّعِي وارثه، نُظِر؛ إن كان من الأصول أو الفروع، لم تقبل شهادته للبعضية، وإن كان من غيرهم، فإن شهِدَ بعْد الاندمال، قُبِلت شهادته، وإن شهد قبْله، لم تُقْبَلْ؛ لأنه لو مات كان الأرْشُ له، فكأنه شهد لنفسه، وإن شهد بمال آخر لمورثه المريض مرَضَ الموتِ، فوجهان:
أحدهما، ويُحْكَى عن أبي إسحاق: أنها لا تقبل أيضاً، ورجَّحَهُ صاحب "الإفصاح" وابن الصَّبَّاغ توجيهاً بأن المرِيضَ محجور [عليه](١) المرض؛ لِحَقِّ الوَرَثَةِ؛ ولذلك لو وهب غير ذلَك المال، يعتبر من الثلث، وذلك يوجب التُّهْمَةَ في شَهَادَةِ الوارث.
وأظهرهما؛ عند أكثرهم، وبه قال أبو الطَّيِّب بن سلمة: أنها تُقْبَلُ، وبه أجاب صاحب الكتاب في "باب الشهادات"، ولم يذكر الَخلاف الذي ذكَره هاهنا، والمسألةُ معادةٌ هناك، وربَّما زدْنا في شرْحِها.
الثانية: لو شهد اثنان على الجَرْح، وهما محجوبان، ثم صارَا وارثَيْنِ، كأخوين يشْهَدان، وللمجْروح ابنٌ، ثم يموت الابن، فالشهادةُ في الأصل مقبولةٌ، ثم إن صارا وارَثَيْن قبل أن يقضي القاضي بشهادتهما، فلا يَقْضِي، وإن كان بعْدَ قضائه، لم ينقض القضاء، كما لو شهد الشاهد ثم فَسَقَ، وحكى الفورانيُّ طريقةً أخرَى، وهي أن في المسألة قولَيْن: