للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن المال يثبت بشاهد ويمين، وكذلك الحُكْم، لو شهد رجل وامرأتان من الوَرَثَةِ؛ لأن العفو عن المال يثبُت برجُل وامرأتين، وكيف يحْلِف الجاني مع شهادة الوارِثَ؟

قال في "المختصر": حلف القاتل مع شهادته، لَقَد عفا عن القصاص والمال، وتَعَجَّبَ من ظاهره جمهورُ الأصحاب، وقالوا: القصاصُ يسقُطُ بشهادة الوارث، فيكفي أن يذكر في يمينه، أنه عفا عن الدية، ولا حاجة إلى التعرُّض للقصاص، وتكلَّموا فيه من وجوه.

أحدها: أن قوله "لقد [عفا] (١) عن القصاص والمال" متعلِّق بشهادة الوارث لا بيمين الجاني، والمعنى بِحلف القاتل أنه عفا عن الدية مع شهادة الوراث على أنه عفا عنهما جميعاً.

[والثاني: حمله حاملون عَلَى ما إذا ادعَى المدعي العَفْو عنهما جميعاً] (٢)، وأجاب المدعَى عليه بأنه ما عفا عن القصاص، ولا عن الدية، فيحْلِف بِحَسَب الجواب، ولو اقتصر عَلَى أنه ما عفا عن الدية، كفَاهُ ذلك.

والثالث: أنه ذكر ذلك احتياطاً؛ لتكون عبارته في اليمين مطابقةً لعبارة الشاهد في الشهادة.

وعن بعْضِهم: أنه أخذ بظاهر النصِّ، وقال: إذا قلْنا: إن موجب العمْد القَوَدْ المَحْضُ، فإنما تثبت الديةُ بالعَفْوِ عن القَوَد، ولا يصحُّ العفْو عن الدية حتى يَعْفُوَ عن القصاص والدية جميعاً، فإذا حلَف على العفْو عن الدية من غير ذكْر العفْو عن القصاص، لم يكن حالفاً على عفْوٍ صحيحٍ، وإذا ادعَى الجانِي العفْوَ عن القصاص على الورثةِ، مِنْ غير ذِكْرِ العَفْوِ حلف، وثبت العفْو بيمين الرد.

وإن اْقام بينة على العفْو، لم تُقْبل إلاَّ شهادة رجلَيْن؛ لأن القصاص ليس بمال وما لا يثبت برجُل وامرأتين، لا يُحْكم بسقوطِه برجُلٍ وامرأتين.

وإن ادعَى على بعْضِهم العَفْوَ عن حِصَّتِهِ من الدية، فقد آلَ النِّزَاعُ إلى المال، فله إثباته بشاهد ويمينٍ، وبرجل وامرأتين؛ لأن المال يثبت بهما فكذلك إسقاطه.

وقوله في الكتاب: "سقط القصاص بإقراره، وإن كان فاسقاً، لا بشهادته" يعني: أن القصاص يَسْقُطُ بالإقرار الذي هو في ضِمْن الشهادة، لا بالشَّهَادة حتى يَسْقُطَ، إنْ كان فاسقاً لا شهادَة له.

قال الْغَزَالِيُّ: وَلَوْ اخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّاهِدَيْنِ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَانٍ أَوْ آلَةٍ فَهُمَا مُتَكَاذِبَانِ،


(١) سقط في ز.
(٢) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>