لأنهما ربَّما صَدَقا؛ فلا ينبغي أن ترد قولُهما بمبادرة غيرهما بالشهادة عليهما.
الثالثة: شهِدَ رجلان على رجلَيْن على التصوير الذي تقدَّم، فشهد أجنبيان على الشاهدَيْن؛ بأنهما القاتلان، فيَعُود فيه التفصيل، إن كان الوليُّ ادعَى بنفسه، وكذَّب الأَجْنَبِيَيْنِ بطلت شهادتهما، وإن صدَّقهما أو صدَّق الكلَّ، بطَلت الشهادات؛ لتناقض الدعوَتَيْن، وإن كان المدعي الوكيلَ، ولم يعيِّن الموكِّل أحداً، فللموكّل الدعْوَى على الأولَيْن، والأجْنبيان ليْسا دافعَيْن، ولكنهما مبادران إلى الشهادة قبل الاستشهاد، فلو ادعَى عليهما، وجاء بالأجْنبِيَّيْن شاهدين، فعلى الخلاف في قبول الشهادة المُعَادَةِ من المبادرةِ.
والذي أورده في ""التهذيب": القبول، إن ادعَى وأعاد الشهادة في مجْلس آخر، وإن ادَّعَى [فشهدا] في ذلك المجلس، قال: فيه وجهان.
ولو ادعَى على اثنين ألفاً، وشهد له بذلك شاهدان، ثم شهد المشهود عليهما أو أجنبيان بان للمدعي على الشاهدَيْن ألفاً وصدَّق المدعي الآخَرَيْن أيضاً، لم تبْطُل دعواه الأُولَى، ولا شهادة الأَولَيْن على الآخرين، وله أن يَدَّعِي على الآخرَيْن أيضاً، لجواز اجتماع الألْفَيْنِ، وشهادة الآخرين على الأولَيْن شهادةٌ قبل الدعوَى والاستشهاد، قال في "التهذيب": فلو ادعَى وشهدا في مجْلسِ آخر، قُبِلَتْ شهادتهما، ولو جَرَى في ذلك المجْلِسِ، ففيه وجهان.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا أقر أحدُ الوَرَثَةِ بعَفْو بعضهم عن القصاص، وعيَّنه أو لم يعيِّنه، سقط القصاص؛ لأنه اعترف بسقُوطِ حَقِّهِ عن القِصَاص؛ إذ القصاصُ لا يتبعَّض، وإذا وُجِدَ منه ما يُسْقِط حقه من القصاص، سقط حقُّ الآخرين، كما لو قال: أسْقَطْتُ حقِّي عن القصاص، وقرب ذلك بما إذا أقر أحدُ مالكي العبْد بأن شريكه أعتقه، وهو موسِرٌ، يُحْكَم بنقود العتق، إذا جَعَلْنا السراية قضية لإقراره، وأما الدية، فإن لم يعيِّن المقر العافِيَ، فللورثة جميعاً الديةُ، وإن عيَّنه، وأنكرُ فكذلك، والقولُ في أنه لم يعْفُ عن الدية قولُه مع يمينه، وإن أقر بالعَفْو عن القصاص، فلغير العافي حِصَّتهم من الدية، والعافي إنْ عما على الدية، فكذلك، وإن أطْلَق العفْوَ، فعلى القَوْلين في وجوب الدية في العَفْو المُطْلَق، ولو شهد أحَدُ الورثة بِعِفُوِ بعْضِهم، نُظِرَ، إن كان فاسقاً، ولم يعَيِّن العافي، فحكم الشهادة حُكْم الإقرار، وإن كان عَدْلًا، وعيَّن العافي وشهد بأنه عفا عن القصاص والدية جميعاً، فللجاني أن يَحْلِفَ معه، ويسقط القصاص والدية.
أما القصاص فإنَّه يسقط بالإقرار الذي تتضمَّنه الشهادة، وأما الدية، فلأن العَفْو