للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فعلوه، وإذا عاد البلد إلى أهل العدْل، لم يطالِبُوا أهلَهُ بشَيْء من ذلك، وفي الجزية وجه رواه الفورانيُّ وغيره: أنه لا يُعْتد بأخذها لهم؛ لأنها عوض السكْنَى والأعواض (١) بعيدةٌ عن المسامحة، والظاهر الأول؛ واحتُجَّ له بأن عليّاً -كرم الله وجهه- قاتَلَ أهْل البصرة، ولم يتتبع (٢) بعد الاستيلاء ما أخذوه من الحقوق، وبأنهم فعلوا ذلك بناءً على تأويل محتمل؛ فأشبه ما إذا قضى القاضي بالاجتهاد، لا ينقضه قاضٍ، آخر، وبأن في إعادة المطالبة إضراراً بأهل البلدة، وحَكَى الإِمام وجهَيْن في أنهم، إذا فرَّقوا سهْم المرتزقة من الفيْء على جنودهم، هل يقع موقعه؟

أحدهما: لا يقع؛ لأنا لو حكمنا بوقوعه الموقع لهم (٣) يصير (٤) ذلك إعانَةَ على البغْي وتمهيداً لأسباب الخروج على الإِمام.

وأظهرهما: الوقوع؛ لأنهم من جنود الإسْلام، والرعبُ قائمٌ عنهم في نفوس الكفَّار، وقرُبَ هذا الخلافُ من الخلافِ في أنهم هل يَضْمَنُون ما يتلفون على الإِمام وجُنْدَهُ في القتال؛ لأن في إسقاط الغُرْم تخفيفاً عليهم ورعايةً لهم.

وإذا عاد البلد إلى قبضة الإِمام، فادعى مَنْ كان عليه حقٌّ أن أهل البغْي استوفَوْه، ولا علم للإمام بذلك، ولا قامت عليه بينة فهل يصدق بيمينه؟ أما في الزكاة فنعم؛ لأن المُسْلم أمينٌ في أمور الدين؛ ولأن الزكاة مالُ مواساة، واللائق به التساهُل، وفي كون اليمين مستحبةً أو مستحقةً خلافٌ سبق نظيره [في الزكاة]، وأما الجزية، ففي كتاب القاضي ابن كج [وجه] (٥) أن الذميَّ [يصدق] في دفْعها إليهم كالزكاة، والظاهر أنه لا يُقْبَل [قوله] (٦) إلا ببينةٍ، لأن الذميَّ غير مؤتمن فيما يدَّعيه على [المسلمين] (٧) للعَدَاوة الظاهرة، ولأن الجزية أجرة دار الإسْلام، والمستأْجِرُ، إذا ادَّعَى تسليم الأجْرَة احتاج إلى البينة. وأما الخراج، ففيه وجهان:

أحدهما: أنه يصدَّق المسلم فيه، ويجْعَلُ أميناً كالزكاة.

وأصحُّهما: أنه يطالب بالبينة؛ لأن الخراج أجرة أَوْ ثمن، وإن ادَّعى مَنْ كان عليه حدٌّ أنه أقيم عليه، ففي "التتمة" أنه يصدَّق، إن كان أثره باقياً على بدَنه، وإلا، فإن ثبت بالإقرار، فكذلك؛ لأن المُقِرَّ بالحدِّ، إذا رجع، يقبل رجوعه، وقد أنكر بما يدعيه بقاء الحدِّ عليه، فيُجْعل كالرجوع، وإن ثبت بالبينة لم يُصدَّق، فيما يدعيه.

وأعْلم قوله في الكتاب: "وقضاؤهم نافذ" بالحاء لما قدمناه.


(١) في ز: والأعراض.
(٢) في ز: يتبع.
(٣) في ز: لمتوقع.
(٤) في ز: يضمن.
(٥) سقط في ز.
(٦) في أ: منه.
(٧) في أ: المسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>