للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ الرَّافِعِيُّ: مقصودُ الفصْلِ الكلامُ في ضمان النفْس والمالِ، إذا أتلف العادلُ على الباغي وبالعكْس، ثم في الضمان إذا وجد الإتلافُ من الَّذينَ لم يستجْمعوا صفة الباغين.

أما الأول: فما يتلفه العادلُ على الباغي، وبالعكس في غَيْر القتال مضمونٌ جرياً على الأصْل الممهَّد في قصاص النفوس وغرامات الأموال.

وأما في القتال، فما يتلفه العادلُ على الباغي غيرُ مضمون عليه؛ لأنه مأمور بالقِتَال، فلا يَضْمَن ما يتولَّد منه، وما يُتْلِفه الباغي على العادل من مال ونفس هل يضمنه بالغرامة والدية؟ فيه قولان:

أحدهما، ويحكى عن مالك: نعم؛ لأن أبا بكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال لِلَّذين قاتَلَهم بعْد ما تَابُوا: "وَتَدُونَ قَتْلاَنَا، وَلاَ نَدِي قَتْلاَكُمْ"، وأيضاً، فهما فرقتان من المسلمين محقَّة ومبْطِلة، فلا يستويان في سقوط الغُرْم، كقطَّاع الطريق والرفقة.

وأصحُّهما، وبه قال أبو حنيفة: لا؛ لأن في الوقائع التي جرَتْ في عصر الصحابة والتابعين -رَضِيَ الله عَنْهُمْ- كحروب الجَمَل وصِفَّين، لم يطالب بعضُهم بعضاً بضمان نفس ولا مال، وأيضاً؛ فلأنه لو وجبت الغرامةُ لم يؤْمَن أن ينفرهم ذلك عن العَوْد إلى الطاعة، ويحملهم على التمادي (١) فيما هم فيه، ولمثل ذلك أسقط الشرْعُ التبعات عن أهل الحرب، إذا أسلموا، والقولان كما يُحْكَى منصوصان في البويطيِّ، ويذكر أن وجوب الضمان قولُه القديم، وأن مقابله الجديدُ، ولم يصحِّحه الرويانيُّ.

وإذا كان القتل عمداً، ففي وجوب القصاص طريقان:

أظهرهما: طرد القولَيْنِ المذكورَيْن في وجوب المال.

والثاني: القطع بالمنع؛ لأن القصاص يسقط بالشبهة، وتأويلهم يوجب الشبهة، فإن حكَمْنا بوجوب القصاص، فلو آل الأمر إلى المال، فهو في مال الباغي، وإن لم نحْكُم به؛ لشبهة التأويل، فسبيل الديةِ ديةُ العَمْد، حتى تجب في مال القاتل، ولا تتأجَّل أو دية شبه العمد حتى تكون على العاقلة وتتأجَّل، حكى الإِمام فيه خلافاً؛ كما ذكَرْنا فيما إذا قتل مسلماً على زيِّ أهل الشرك، وتجب الكفَّارة على الباغي، متى حكَمْنا بوجوب القصاص أو الدية، وإلا، فوجهان:

أشبههما: المنع؛ طرداً لإهدار وقطع التبعات، وأيضاً، فإن الكفَّارة حق الله تعالى، وهو أولَى بالتساهل.


(١) في ز: البادي.

<<  <  ج: ص:  >  >>