للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالوجوب (١)، وإلا، ففي المرتدِّ قولان، والفرْقُ أنه أولَى بالتغليظ، ويحْكَى هذا عن اختيار القفَّال، وآخر يقول: إن لم نوجبِ الضمانَ على الباغي، فالمرتد أولَى، وإن أوجبنا على الباغي، ففيه قولان، والفرق أن المرتدين منخلعون عن الإِسلام وأحكامه (٢)؛ فهم بأهل الحرب أشبه، ويجوز أن يُعْلَم قوله في الكتاب "والقولان جاريان" بالواو؛ لطريقة القطْع التي تخرج من الترتيب.

قال الْغَزَالِيُّ: فَأَمَّا كَيْفِيَّةُ قِتَالِهِمْ فَلَا نُقَاتِلُهُمْ بَلْ نُقَدِّمُ النَّذِيرَ أَوَّلاً، وَلاَ نَتَّبعُ المُدْبِرَ آخِراً، فَلَوْ بَطُلَتْ شَوْكتُهُمْ فِي الحَالِ وَلَكِنْ لَمْ نُؤْمَنْ غَائِلَةُ اجْتِمَاعِهِمْ فِي المَآلِ فَفِي جَوَازِ اتِّبَاعِهِمْ بِالقَتْلِ وَجْهَانِ، وَأَمَّا أَسِيرُهُمْ فَلا يُطْلَقُ إِلاَّ بَعْدَ الأَمْنِ مِنْهُمْ، وَإِنْ أُمِنَ فِي الحَالِ وَتُوقِّعَ فِي ثَانِي الحَالِ فَفِي الإِطْلَاقِ وَجْهَانِ، وَفِي أَسْرِ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيهِمْ لِكَسْرِ قُلُوبِهِمْ تَرَدُّدٌ، فأَمَّا أَسْلِحَتُهُمْ وَخُيُولُهُمْ فَلاَ يَحِلُّ اسْتِعْمَالُهَا فِي القِتَالِ وَتُرَدُّ عَلَيْهِمْ عِنْدَ الأَمْنِ مِنْهُمْ وَلاَ تُرَدُّ قَبْلَهُ، وَالصَّبِيُّ المُرَاهِقُ وَالعَبْدُ كَالخَيْلِ، وَالصَّغِيرُ كَالمَرْأَةِ، وَلاَ نُقَاتِلُهُمْ بِالمَجَانِيقِ وَالنِّيرَانِ إِلاَّ إِذَا خِفْنَا أَنْ نُصْطَلِمِ، وَإِنْ تَحَصَّنُوا بِقَلْعَةٍ وَكَانَ فِيهِمْ رَعَايَا لَمْ نُقَاتِلْهُمْ بِالنَّارِ وَالْمَنْجَنِيقِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِلاَّ المُقَاتَلَةُ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: في الفصل صورٌ، يتعلَّق بكيفية القتال، والأصلُ فيها أن سبيل مقاتلة الباغين سبيلُ دفْع الصائل، والمقصودُ ردُّهم إلى الطاعة ودفْعُ شرِّهم لا النفي والقتل، فهذا أمكن الأسرُ لا يُعْدَل إلى القتل، وإذا أمكن الإتخان، لا يعدل إلى التذفيف، فإن التحم القتال، واشتد الحرب، خرج الأمر عن الضبط، قال الإِمام: وقد تتخيَّل من هذا أنا لا نسير إليهم، ولا نفاتحهم بالقتال، وأنهم إذا ساروا إلَيْنا، فلا نبدأ بقتالهم، بل نصطَفُّ في مقابلتهم، فإذا قَصَدُونا، فحينئذ ندفعهم، قال: وقد رأينا هذا، الطائفة من المعتبرين، وهو ذلك بل إذا آذَنَهُمُ الإِمام بالحَرْب، ولم يرجعوا إلى الطاعة، فيسير إليهم، ويمنعهم عن القُطْر الذي استولَوْا عليه، فإن انكشفوا وكَلِمَتَهُم واحدةٌ، اتبعناهم إلى أن يتوبوا عن العصيان، وَيسْتَسْلِموا، وقد يفضي الاصطفافُ والصبرُ إلى أن يَبْدَءُوْنَا بقتال إلى الاستئصال، [فليس] قتال الفريقَيْن كصيال الرجُل الواحدِ ودفْعه، وربما كان تاركُ البداية معرِّضاً نفْسه للهلاك.

إذا عرف ذلك فمِنْ صور الفصْل: أنهم لا يغتالون ولا يَبْدءُونَ بالقتال، حتى يُنْذَروا، وليبعث (٣) الإِمام إليهم أميناً فطناً ناصحاً، فإذا جاءهم، سألهم ما ينقمون، فإن


(١) سقط في ز.
(٢) في ز: وحكمه.
(٣) في ز: ولبعث.

<<  <  ج: ص:  >  >>