للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أظهروا مظلمةً، وعلَّلوا امتناعهم بها، أزالها، وإن ذكروا شبهةً كشَفَها لهم، وإن لم يذكروا شيئاً، أو أصروا بعد إزالة (١) العلَّة، نصحهم، ووعظهم، وأمرهم بالعَوْد إلى الطاعة، لتكون كلمة أهل الدين واحدةً فإن أصروا، دعاهم إلى المناظرة، فإن لم يجيبوا إليها أو أجابوا، فغُلبوا، وأصروا مكابِرِينَ، آذَنَهُمْ بالقتال.

بَعَث عليٌّ -كرَّمَ الله وجهه- ابن عباس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا (٢) - إلى أهُل النَّهْرَوان للمحاجَّة والنصيحة، ورجعَ بعضهم إلى الطاعة بذلك، وإذا آذَنَهم بالقتال، فاستنظروا، بَحَثَ الإمامُ عن حالهم، واجتهد، فإن كان الظاهرُ عنْده أنَّهم عازمون على الطاعة، وأنهم يستنظرون (٣) لكشف (٤) الشبهة أو يتأمَّلوا ويتشاوَرُوا، أنْظَرَهم، وإن كان الظاهرُ عنْده أنهم يقصدون الاجتماع، أو يستلحقون (٥) مَدَداً، لم يُنْظِرْهم، وإن سألوا ترْكَ القتال أبداً، لم يجبْهم، وحيث لا يجوز الإنظار، فلو بذلوا مالاً أوْ رهنوا الأولادَ أو النساء، لم يقبله؛ لأنهم قد يَقْوَوْن في المدة، فيغلبون على أهل العدْل، ويستردُّون ما بذلوا، وأيضاً، فلو قاتلوا، لم يجُزْ قتل الأولاد والنساء، وإذا كان بأهْل العدْل ضَعْفٌ، فيؤخِّر الإِمام القتال، ولا يخاطر (٦) بالناس، وعن نصه -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- في "الأم": أنه لو كان عندهم أسارَى من أهل العدل، فسألوا، والحرب قائمة، أن يُمْسِك ليُطْلِقوهم، وأعطوا بذلك رهائن، تقبل الرهائن استيثاقاً واستنقاذاً للأسارَى، وإن أطلقوهم، أطلقْنا الرهائن، وإن قتَلُوهم، لم يجُزْ قتل الرهائن بهم، ولا بدَّ من الإطلاق بعد انقضاء الحَرْب.

من صور الفَصْل: مَنْ أدبر منْهم وانهزم، لم يُتْبع، وكذا مَنْ ألقى السلاح، وترك القتال لم يقاتل؛ روي أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال لابن مسعُودِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "يَا بْنَ أمِّ عَبْدٍ، مَا حُكْمُ مَنْ بَغَى مِنْ أمَّتِي"؟ فَقَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمْ، فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ يُتْبَعُ مُدْبِرُهُمْ، وَلاَ يَجْهِزَ عَلَى جَريحِهِمْ، وَلاَ يُقْتَلُ أَسِيرُهُمْ" وروي أنه نادَى منادي عليٍّ -كرم الله وجهه- يوم الجَمَل: "أَلاَ لاَ يُتْبَعُ مُدْبِرٌ، وَلاَ يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحٍ" وانهزامُ الجنْد بأن يتبددوا وتبْطُل شوكتهم واتفاقهم، فلو ولَّوْا ظهورهم، وهم مجتمعُون تحْت راية زعيمهم، فلا ينكف الإِمام عنْهم، بل يطلبهم إلى أن يرجعوا إلى الطاعة، والواحدُ إذا بَطَلت قوته واعتضاده بالجَمْع؛ لتخلُّفه عنهم مختاراً أو غيْرَ مختار، ولا يُتْبَع، ولا يقاتل مَنْ ولَّى متحرفاً لقتال، ليس بمنهزم بل يُتْبَع، ويُقَاتَل، وإن ولَّى متحيزاً إلى فئة، قال الإِمام: إن كانت قريبةً، فهو كالمداوم على القتال؛ وإن كانت بعيدةً، فوجهان:

أحدهما: لا تُتْبَعُ؛ لظاهر الخبر، وهذا أظهر عند أصحابنا العراقيين، وصاحب


(١) في ز: إزاحة.
(٢) في ز: عنه.
(٣) في ز: يستنظرون.
(٤) في ز: لينكشف.
(٥) في ز: أو سيلحقون.
(٦) في ز: يخطر.

<<  <  ج: ص:  >  >>