للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هل يجوز أسْرُهم ابتداءً؟ ولا يبعد أن يؤْخَذ ذلك مِنْ الخلاف المذْكُور في جواز الحبس بعْد انقضاء الحَرْب، والذي يُشْعِر به إطلاقُ الأئمة تجويز الأسر ابتداءً، ويجوز أن يُعْلَم قوله "كالخيل" بالواو؛ لِمَا ذكرنا أن منهم مَنْ ألحق المراهقين والعبيد بالنساء على الإطْلاق [والله أعلم].

قال الْغَزَالِيُّ: وَلاَ نَسْتَعِينُ عَلَيْهُمْ بِأَهْلِ الكُفْرِ وَلاَ بِمَنْ يَرَى قَتْلَ مُدْبِرِهِمْ، وَإِنْ اسْتَعَانُوا عَلَيْنَا بِأَهْلِ الحَرْبِ لَمْ يُنْفَذْ أَمَانُهُمْ عَلَيْنَا بَلْ نَقْتُلُ مُدْبِرَ أَهْلِ الحَرْب، وَفِي نُفُوذِ الأَمَانِ عَلَيْهِمْ وَجْهَانِ لاِبْتِنَائِهِ عَلَى الفَسَادِ، وَلَوْ قَالَ أَهْلُ الحَرْبِ: ظَنَّنَا أنَّهُمْ مُحِقُّونَ فَلْيُلْحَقْ مُدْبِرُهُمْ بِالْمَأْمَنِ لِأَجْلِ ظَنِّهِ عَلَى أَحَدِ الوَجْهَيْنِ، وَلَوِ اسْتَعَانُوا بِأَهْلِ الذِّمَّةِ بَطَلَ عَهْدُهُمْ وَكَانُوا كَأَهْلِ الْحَرْبِ، وَإِنْ كَانُوا مُكْرَهِينَ كَانُوا كَأَهْلِ البَغْي، وَإِنْ كَانُوا جَاهِلِينَ بِالْحَقِّ فَفِي انْتِقَاضِ عَهْدِهِمْ قَوْلاَنِ، فَإنْ قُلْنَا: لاَ يُنْتَقَضُ وَجَبَ ضَمَانُ مَا أَتلَفُوا عَلَيْهِمْ عَلَى الظَّاهِرِ إِذْ سُقُوطُهُ عَنِ البَاغِي لِتَرْغِيبِهِ فِي الطَّاعَةِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: فيه ثلاث مسائل:

إحداها: لا يجوز للإمام أن يستعينَ على قتال أهل البغْيِ بأهل الحرب؛ لأنه لا يجوز تسْلِيط الكافِرِ على المسْلِم، ولذلك نقول: لا يجوز لمستَحِقِّ القصاص أن يوكل كافراً بالاستيفاء، ولا للإمام أن يتخذ جلاَّداً كافراً لإقامة الحدود على المسلمين، ولا يجوز أيضاً أن يستعين على أهُل البغْيِ بمن يرى قبْلَهم مدْبرين، إما لعداوة تحملُهم عليه، وإما لاعتقادهم جوازه؛ إبقاءً عليهم، إلا أن يكون للإمام حاجة إلى الاستعانة بهم لجرأتهم وحسن إقْدَامهم، وكان متمكناً من منعهم، لو اتبعوا أهُل البغْي بعد الانهزام، ولا بد من اجتماع الشرطَيْن؛ لتجويز (١) الاستعانة؛ هكذا حكاه ابن الصبَّاغَ والرويانيُّ، وغيرهما عن وفَاق الأصحاب، ولفظ "التهذيب" يقتضي جواز الاستعانة إذا وُجِدَ أحدُ المعنيَيْن.

الثانية: إذا استعان البغاة علَيْنا بأهل الحرب، وعقَدوا لهم ذمةً وأماناً، ليقاتلونا (٢) معهم، لم تنعقد أمانهم علينا؛ لأن الأمان لتَرْكِ قتال المسلمين، فلا ينقعد على شرط القتال؛ فيجوز لنا أن نغنم (٣) أموالهم، وأن نسترقَّهم، أو نقتلهم إذا وَقَعُوا في الأسر، وأن نقتلَهُم مُقْبِلين ومدبرين ونذفف على جريحهم، وحكى الإِمام عن القاضي الحُسَيْن: أنا لا نتبع مُدْبِرَهم، ولا نذفف على جريحهم، والمشهورُ الأولُ، وهل ينقعد الأمان في حقِّ أهل البغْي؟ فيه وجهان:


(١) في ز: فيجوز.
(٢) في ز: لو قاتلوا.
(٣) في ز: يغنهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>