للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

منهم مَنْ صرَّح بأن المراهقين والعبيد، وإن كانوا يقاتلون كالنساء والأطفال، ولا شك أنهم، إذا قاتلوا، وكذا النسوان، فإن سبيلهم سبيلُ الرجال في أنَّهم يُقْتَلون مقبلين، ويُتْركون مُدْبِرِين.

وإذا ظفرنا بخيولهم وأسلحتهم، لم نردَّها حتى ينقضي القتالُ، ويحصل الأمن مِنْ غائلتهم بعَوْدهم إلى الطاعة، أو تَفَرُّقِ شمْلِهم، وهو وقتُ إطلاق الأسرى، ولا يجوز استعمالها في القتال، كما لا يجوز الانحكاع بسائر أموالهم.

نعَمْ؛ لو وقعت ضرورةٌ بأن لم يجد أحدُنا ما يدْفَع به عن نفسه سوَى سلاحهم أو ما يركبه، وقد وقعت الهزيمة إلا خيولهم، فيجوز الاستعمال والركُوب، كما يجوز أكل مال الغير للضرورة. وعند أبي حنيفة: أنه يجوز استعمالُها ما دامتِ الحرْب قائمةً.

وما ليس من آلات الحرب مِنْ أموالهم، فيرد عليهم، كما انقضتِ الحرْب، وهي التي أردناها مما أطْلَقْنا مِنْ قبل.

ومنْها: لا يقاتلهم بما يَعْمُّ، ويعظم أثر كالرمْي بالمنجنيق (١) والنيران، وإرسال السيول الجارفة، بخلاف ما في قتال الكفار، لكن لو قَاتَلُونا بهذه الوجوه، واحتجْنا إلى المقابلة بمثْلها دفعاً أو أحاطوا بنا، واضطررنا إلى الرمْيِ بالنار ونحوها، فعَلْنا، للضرورة، وعلى ذلك حمل مَنْ أَبْدَى الجَدَّ في قتال الباغين مِنْ عليِّ -كرم الله وجهه- حتى إنه قتل بنَفْسه ليلة الهرير ألفاً وخمسمائة، وإن تحصَّنوا بقلعة أو بلدةٍ ولم يتأتَّ الاستيلاء عليها إلا بهذه الأسباب العظيمة الأثر، فإن كان فيها (٢) رعايا لا يكفي منْهم، لم يجُزْ توجيهُ هذه الأسباب عليها محافظةً عليهم، وإن لم يكن فيها إلا الباغون المقاتِلُون، فقد حكَى في الكتاب تردُّد وجه فيه، وقال الإِمام: الذي أراه المنْعُ؛ لأن الإِمام ينظر للمسلمين، وترك بلدة في أيدي طائفة من المسلمين، وربما قدر على احتيال في المحاصرة، والتضييق أقربُ إلى الصلاح مِنْ اصطلام (٣) أمم.

وأما لفظ الكتاب فقوله "فلا نقاتلهم" يجوز أن يعلم بالحاء؛ لأن في "البيان" وغيره أن عند أبي حنيفة يجُوز ابتداؤُهم بالقتال، ولا حاجة إلى تقديم النذير، وقوله "ولا يتبع المدبر آخراً" كذلك؛ لأن عند أبي حنيفة يجوز قتْل المنهزم في حال قيام الحرب. وقوله "وفي سائر نسائهم وذراريهم؛ لكسر قلوبهم تردُّدٌ" إن حُمِلَ على حبْس الواقعين في الأسر بعد انقضاء الحرْب، فهو الخلاف الذي قدَّمناه، والظاهر أنهم لا يُحْبَسُون بعد انقضاء الحرب، والسابق إلى الفهْم منه التصويرُ وإثبات الخلافِ في أنه،


(١) في ز: بالمجانيق.
(٢) في ز: منها.
(٣) في ز: اصطدام.

<<  <  ج: ص:  >  >>