للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لنا ما روي [عن] ابن عبَّاس -رَضِيَ اللهُ [عَنْهُمَا] (١) - أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ بدَّلَ دينَهُ فَاقْتُلُوهُ" (٢) وعن جابر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أن امرأةً يقال لها أمُّ رُومَانَ ارتدَّتْ فَأَمَرَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- "بأن يَعْرِضَ عَلَيْها الإِسْلاَمَ، فَإِنْ تَابَتْ وَإِلاَّ قُتِلَتْ" (٣)، وأيضاً فإن المرأة تُقْتَل بالزنا بعْد الإحصان، فكذلك في الكُفْرَ بعْد الإيمان، كالرجل [وأيضاً] (٤) فنقيس على ما سلَّمه، فإن تاب المرتدُّ، وعاد إلى الإسلام، قُبلت توبته وإسلامه، سواءٌ كان مسلماً أصليّاً فارتدَّ، أو كافراً فأسلم ثم ارتد؛ لقوله تعالىَ: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: ٣٨] وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "فإذا قَالُوهَا، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وأَمْوَالَهُمْ" (٥) ونحوهما من العموماتِ، وهل يُفْرَق بين أن يكون كفْره الذي ارتَدَّ إليه كفراً ظاهراً أو غيره، ككفر الباطنية، فيه وجوه، وكذا الكافر الأصليُّ إذا أسلم [وتاب] (٦) [ثم مات]، هل يَفْتَرِقُ الحال بيْن أن يكون ظاهرَ الكفْر وبين أن يكون زنديقاً؛ يظهر الإسلام ويُبْطِن الكفر، وذلك بأن تقوم البينةُ على كفْره باطلاع الشهود على كلمة الكُفْر [منه] في خَلْوة.

أظهرُ الوجوه: أنه لا فَرْق، وتقبل توبة الزنديق وإسْلامُه، وهذا هو المنصوص في "المختصر" ولم يورد العراقيُّون غيره، واحتَّج له بإطلاق الآية والخبر، وبما رُوِيَ (٧) أنه اشتدَّ نكير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أُسامة (٨) حِينَ قَتَلَ من تكلَّم بكلمة الإسلام، وقال: إنَّما قَالَهَا فَرَقاً مِنِّي، فَقَالَ [عَلَيْهِ السَّلاَمُ] (٩) "هَلاَّ شَقَقْتَ عَن قَلْبه"؟ وبأنه يمتنع (١٠) أن يظهر الحقُّ لزنديق كما لا يمتنع (١١) أن يتزنْدق مُسْلِم، فكيف لا يُمَكَّنُ من الرجوع إلى الحقِّ؟

والثاني: وبه قال مالك وأحمد: أنه لا تقبل توبتُه ورجوعُه إلى الإسلام؛ لأن


= وإن كل سبب لو فعله رجل لوجب عليه القتل فوجب إذا فعلته المرأة أن يجب عيها القتل، وقد أنكر الإِمام أحمد وشيوخ الحديث هذا الحديث، ولم يثبتوه ويؤكده أهل الصوامع والرهبان، إذا أسلموا ثم ارتدوا بعد الإسلام قتلوا، وإن كان النبي -صلى الله عليه وسلم- منع قتلهم في حالة الشرك، فدل على ما قلناه.
(١) في أ: عنه.
(٢) تقدم.
(٣) رواه الدارقطني والبيهقي من طريقين، وزاد في أحدهما: فأبت أن تسلم فقتلت، وإسناداهما ضعيفان.
(تنبيه) وقع في الأصل أم رومان، وهو تحريف، والصواب أم مروان، قال البيهقي: وروي من وجه آخر ضعيف عن الزهري عن عروة، عن عائشة أن امرأة ارتدت يوم أحد، فأمر النبي -صلَّى الله عليه وسلم- أن تستتاب، فإن تابت وإلا قتلت، واحتج به ابن الجوزي في التحقيق. قاله ابن حجر في التلخيص
(٤) سقط في ز.
(٥) الحديث متفق عليه من حديث ابن عمر.
(٦) سقط في ز.
(٧) متفق عليه من حديث أسامة بمعناه.
(٨) في ز: إسلامه.
(٩) سقط في ز.
(١٠) في ز: يمنع.
(١١) في ز: يمنع.

<<  <  ج: ص:  >  >>