للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصحُّهما؛ على ما ذكر القاضيان الطبريُّ والرويانيُّ وغيرهما، أنها واجبةٌ؛ لأنه كان محترماً بالإسلام، [وربما] (١) عرضت له شبهةٌ، فيسعى في إزالتها، وردَّه إلى ما كان، وسواءٌ قلْنا: الاستتابة واجبة أو مستحبةٌ، ففي مدتها قولان:

أحدهما: أنه يستتاب ثلاثاً لما رُوِيَ أن رجلاً وفد على عُمَر -رَضِيَ الله عَنْهُ- من قِبَل أبي موسى الأشعريِّ، فقال له عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- هل من [مغربة] [خبر] فأخبره أن رجلاً كفَرَ بعْد إسلامه؛ فقال: ما فعلْتم به؟ قال: قربناه، فضربْنا عنقه، فقال: هلا حبستموه ثلاثاً، وأطعمتموه كلَّ يوم رغيفاً، وأسقيتموه، لعله يتوب، اللهم [إنِّي] (٢) لم أحْضُر، ولم آمرْ، ولم أرْضَ إذْ بلغني.

وأصحهما: وهو اختيار المزنيِّ أنه يُسْتتاب في الحال، فإن تاب، وإلا قُتل، ولم يمهلْ؛ لمَا سَبَقَ من حديث أم رومان.

ومذْهب مالك وأحمد كالقول الأول وعن أبي حنيفة مثله، ويُرْوَى أنه يُستتاب ثلاثَ مراتٍ في كل جمعةٍ مَرَّة، ولا خلاف (٣) في أنه لا [يُخلَّى] (٤) في مدة الإمهال بل يُحْبَس. وفي أنه لو قتل قبل الاستتابة أو قَبْل مضي المدة (٥) للمهلة، لم يَجِبْ بقتله شيْء، وإن كان القاتل مُسِيئاً بما فعل.

وقوله في الكتاب "والظاهر القبول" لِيُعْلَمْ لفظ "القبول" بالحاء والميم والألف؛ لما حكينا. وقوله "ثم في إمهال المرتد ثلاثةَ أيام قولان" يعني في وجوبه؛ ألا تراه قال: "فإن قلنا: لا يجب" ويجوز أن يُعْلَم لفظ "القولين" بالواو؛ لأنه من الأصحاب من قال: لا خِلاف في أنه لا يجبُ الإمهال ثلاثاً، إنما الخلاف في الاستحباب، وهذا ما اختاره الشيخ أبو محمَّد في "المنهاج".

وقوله "فإنْ قلْنا: لا يجب، فهو مستحبٌّ أو ممنوعٌ، وجهان" هكذا رتب الإِمام فيما ذَكَر أنه جمَعَه من طُرق الأصحاب، والمفهوم من كلام الأئمة ترجيحُ المنعِ من الأمهال وتشدِيدُ الأمر عليه.

وقوله "فإن قلنا: يمنع، فقال: حُلُّوا شبهتي". هذه المسألة لا تختص بالمنع من الإمهال، بل مهما (٦) حقَّ قتله، إما عقيب الاستتابة، وإما بمضي مدة المهلة، فقال: [قد] (٧) عرضَتْ لي شبهة، ولذلك تكلَّمت بكلمة الكفْر، فأزيلوا شبهتي، لأعود إلى ما


(١) في أ: وإنما.
(٢) سقط في ز.
(٣) في ز: إخلاف.
(٤) في ز: يحكى.
(٥) في ز: المهلة.
(٦) في ز: منهما.
(٧) سقط في ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>